بحث في هذه المدونة

السبت، 30 ديسمبر 2017

معاناة المسنين على سلالم التأمين الصحى

هنا العيادة الشاملة للتأمين الصحى بشارع الطيران بمدينة نصر..وجهة آلاف الوافدين من القاهرة وخارجها..يتزاحمون دخولا وخروجا مع بداية كل يوم، بعضهم معه مرافق، وأغلبهم لا رفيق له سوى «عكاز» يتوكأ عليه.. لا صوت يعلو فوق صوت المرض..ليست رائحته فقط هى التى تملأ المكان بل إن مشاهد المرضى ومظاهر الشيخوخة ومعاناتها تدمع العين.

أفنوا أعمارهم دون كلل أو ملل فى أعمالهم ووظائفهم يتقاضون الفتات، وتقتطع منه مبالغ شهرية تحت بند التأمين الصحي.. يستفيدون منه قليلا حال عملهم، ثم تصبح حاجتهم إليه ملحة بعد خروجهم إلى المعاش فى وقت تتكالب فيه الشيخوخة وأمراضها على أجساد أنهكها البحث عن لقمة العيش.

وها قد حانت اللحظة..فبمجرد وصولهم إلى العيادة الشاملة، تصر السلالم المرتفعة بمدخلها على أن تذكرهم بمدى ما وصلوا اليه من ضعف ووهن، فعليهم صعودها ونزولها متكئين على «عكاكيزهم» أو مرافقيهم – إن وجدوا – ولسان حالهم يقول : ليتها كانت كهربائية!

من اعتادوا التردد على المستشفى أصبحت لديهم خبرة..يعرفون طريقهم بداية من أخذ الرقم بـ «الدفتر» ثم التوجه للقسم المراد (باطنة، عظام، قلب ..)، ثم اعتماد العلاج والتوجه إلى الصيدلية بذات الدور ثم الانصراف.

أما الوافدون الجدد فتكون خطواتهم الأولى متعثرة برغم اللافتات الإرشادية المعلقة على الجدران، فهى ثقافة لم يعتادوها، ولذا يكون سؤال المحيطين هو وسيلتهم التى قلما ترشدهم فتبدأ «الدوخة» فى الطرقات والأدوار.. ومع المرض وتقدم السن ينفد الصبر ويضيق الصدر فتخرج زمجرات الغضب يعتريها الوهن!

من هؤلاء عجوز يتكئ على زوجته يزمجر غاضبا: (اللى يقع فى البلد دى مالوش قومة) .. يمر أمامنا فى ذات الطرقة خمس مرات فى أقل من عشر دقائق فنقرر متابعته.. وبغضب يقول لعامل الأسانسير: (طلعنى للمدير) فيصعد به وبنا للدور الثالث..طابور من عدة أشخاص أمام غرفة مكتوب عليها (قسم الخدمة الاجتماعية) ذات ساتر زجاجى يجلس خلفه الدكتور أحمد عبدالسميع والاستاذة إيناس عبدالعزيز (هكذا مدون على البالطو)..يقدم المريض دفتره ويعرض على الطبيب مطلبه فيوجهه الوجهة الصحيحة ويدله على إجراءاتها.

ها قد حان الدور على (عجوزنا المزمجر).. يعرض على الدكتور مطلبه شاكيا: (بقالى ساعات بلف فى المستشفى ومحدش عاوز يدينى التقرير).. بابتسامة يحتضن الطبيب شكواه قائلا: (ياحاج انت اللى تاعب نفسك ، لازم حضرتك الأول تاخد رقم وتكشف وبعدين نديلك التقرير).. يعنى أروح فين ياابني؟..روح القسم الفلانى واكشف وبعدين تعالى نعتمدلك التقرير..العجوز: روح ياابنى ربنا يريح قلبك زى ما ريحت قلبي..ويتحرك إلى وجهته الصحيحة بعدما اهتدى وهدأ!

بعد رحلتهم الطويلة داخل المستشفى لا يجد الخارجون منها وأغلبهم من المحافظات سوى أتوبيسات النقل العام القادمة أصلا مكتظة بركابها.. يراودهم الحلم بتسيير خطوط «خدمة خاصة» بتذاكر مخفضة أو مجانية.

الاهرام


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق