تناولنا فى المقال السابق الأوضاع العامة لسوق العمل المصرى ووضع العمالة
غير المنتظمة، وما تعانيه من غياب للحد الأدنى من الضمان الوظيفى حيث تعمل
دون عقود قانونية أو تأمينات اجتماعية أو صحية، وهو ما يعرضها لأخطار شديدة
وقد أحسنت البنوك العامة واتحاد التأمين صنعا حين اتفقا على إصدار وثيقة
أمان تضمن الحد الأدنى للتأمين ضد بعض المخاطر، وهى خطوة وضرورية، ولكنها
تحتاج إلى المزيد، فهذه الوثيقة تعد شكلا من أشكال التأمين التجارى وهى
مسألة تختلف جذريا وفلسفيا عن التأمين الاجتماعى والذى يهدف بالأساس إلى
ضمان حياة كريمة للأفراد بعد بلوغ سن التقاعد أو العجز أو حماية الأسرة بعد
الوفاة، وهذا لن يتأتى إلا عبر إدماجهم فى التأمينات الاجتماعية فالهدف
الأساسى من نظم التأمينات الاجتماعية هو ضمان دخول حقيقية ونقدية لقطاع
عريض من المواطنين الذين قاموا بما عليهم من واجبات تجاه الوطن فى فترات
سابقة من حياتهم الوظيفية وتضمن لهم الحفاظ على مستوى معيشى لائق، وبالتالى
لم يكن من المتصور أن تتخلى الدولة عن هذا الدور الحيوى والمهم وبالتالى
العمل على تحسين موارد النظام التأميني، وضمان حصول الأفراد على حقوقهم
التأمينية يصبح واجبا وطنيا ينبغى أن تنشغل به كل التيارات والاتجاهات
الفكرية بعيدا عن صراعاتها الأيديولوجية.
وما يحدث الآن فى المجتمع يعد بمزلة إلقاء حجر فى المياه الراكدة لتحريكها وإعادة النظر مرة أخرى فى نظام التأمينات الاجتماعية بمجمله والتأمين على العمالة غير المنتظمة على وجه الخصوص، وهو ما يطرح بدوره التساؤلات العديدة حول النظام القائم وسبل إصلاحه فى ظل غياب الثقافة التأمينية عن المجتمع، وهى من أهم التحديات التى تواجه النظام الحالى وتنعكس بشدة فى العديد من المؤشرات أهمها انخفاض نسبة التغطية والتى بلغت نحو 58٫3% حيث تقاس بعدد المشتركين فى النظام الى إجمالى القوى العاملة اذ بلغ عدد المؤمن عليهم فى نهاية يونيو 2017 نحو 17٫5 مليون مشترك، بينما بلغت القوى العاملة نحو 30 مليونا،كذلك انتشار ظاهرة التهرب التأمينى نتيجة لارتفاع نسبة الاشتراكات. ويأخذ التهرب التأمينى عدة أشكال، منها الاشتراك عن عدد عمال أقل من الفعلي، أو الاشتراك عن بعض المدد التأمينية دون باقى المدد، أو الاشتراك بأجر أقل من الأجر الفعلي.
ناهيك عن تأثير ذلك على سوق العمل فى مصر من حيث زيادة العمالة فى القطاعات غير الرسمية نظرا لتأثيره على تكلفة التشغيل. ويخلق حافزا قويا للخروج من سوق العمل المنظم. وكذلك الاشتراك عند الحد الأدنى لأجر الاشتراك المنخفض نسبيا، وهذا الأمر يؤدى الى انخفاض قيمة المعاشات المنصرفة للشريحة العظمى من المشتركين مما يدفعهم للشكوى من النظام، للأسف فمازالت الأغلبية العظمى من المجتمع تنظر الى الاستقطاعات التأمينية على أنها خصم من الدخل، وليست نوعا من الادخار المستقبلى لهذا السبب عمدت القوانين الأخيرة على زيادته خلال السنوات الخمس المقبلة، خاصة القانون رقم 80 لسنة 2017 والقانون رقم 60 لسنة 2016 والذى نص على ان يكون الحد الأدنى لأجر الاشتراك التأمينى هو 400 جنيه شهريا يزاد بنسبة 25% سنويا لمدة خمس سنوات، ثم تعدل الزيادة الى 10% سنويا
يضاف الى ما سبق ارتفاع قيمة الأرصدة المستحقة للصناديق على المشتركين، إذ تشير إحصاءات صندوق التأمين بالقطاع العام والخاص إلى أن إجمالى المديونية المستحقة له على القطاعات المختلفة قد ارتفعت الى 22٫3 مليار فى نهاية يونيو 2017 ومعظم هذه المديونية مستحقة على القطاع الخاص الذى ارتفعت مديونيته خلال الفترة نفسها إلى 18٫1 مليار ومن الغريب ان البعض يتعامل مع هذه المسألة على انها مسألة ثانوية وليست ذات أهمية، وخير دليل على ذلك ما حدث مع أحد الأندية الكبرى أخيرا التى تشترى اللاعبين بالملايين المدفوعة نقدا وعدا، وتتقاعس عن سداد مستحقات التأمينات وتطالب بإعادة جدولتها على مدى زمنى أبعد رغم توافر السيولة النقدية لديها
وهذه الأمور وغيرها تؤثر بشدة على الأوضاع المالية للصناديق حيث يرتكز نظام التأمين الاجتماعى المصرى على حسابات اكتوارية فنية محددة، وكذلك المزايا التأمينية ويقوم على قاعدة سداد الالتزامات التأمينية طوال فترة الارتباط بالعمل مع نظام للمزايا التأمينية المحددة. ويتم تطبيق النظام من خلال منظومة متكاملة من القوانين بعضها إجبارى مثل القانون رقم 79 لسنة 1975. والقانون رقم 90 لسنة 1975 هذا فضلا عن القانون رقم 112 لسنة 1980 والقاضى بالتأمين الاجتماعى الشامل على العمالة غير المنتظمة، والذى تضمنت الفقرة الخامسة منه ما اصطلح على تسميته «معاش السادات» والذى مد الحماية التأمينية لكل من بلغ سن الخامسة والستين أو وقعت وفاته أو ثبت عجزه بالكامل ولم يستحق معاشا وفقا لقوانين التأمين الاجتماعى الأخرى قبل أول يوليو 1980. وخضع لأحكامه 16 فئة من فئات القوى العاملة وعلى رأسهم عمال الزراعة العاملون لحساب الغير، وأصحاب الحيازات الزراعية التى تقل عن فدان، وعمال التراحيل وعمال الصيد، والباعة الجائلون وغيرهم.
ويقوم تمويل هذا النظام على أساس مشاركة رمزية من المؤمن عليه وصلت أخيرا الى 7% من الحد الأدنى لأجر الاشتراك. يضاف الى ذلك بعض الرسوم التى تحصل على تراخيص العمل وتراخيص مراكب الصيد ورسوم على المحاصيل الزراعية وغيرها ورغم أن الخاضعين لأحكام هذا القانون تصل الى 2٫12 مليون فرد الا أن عدد من تم تسجيلهم فعلا لدى الصندوق المختص لم يزد عن 902 ألف فرد فى نهاية يونيو 2017 وفى المقابل يتم صرف معاشات سنوية لعدد 1152٫8 ألف حالة يضاف اليهم نحو 102 الف حالة معاش السادات. وبالتالى حماية العمالة غير المنتظمة يتطلب بالأساس إدخال تعديلات جوهرية على قانون التأمين الاجتماعى الشامل رقم 112 لسنة 1980 وتعديلاته بحيث يأخذ بعين الاعتبار كل التغيرات التى شهدها المجتمع المصرى خلال العقود السابقة، ويحقق الهدف الأساسى منه، وهو ضمان حياة كريمة لهذا القطاع العريض من المجتمع فالنظام الحالى كان قائما على معطيات اقتصادية وديموغرافية كانت متاحة آنذاك. إلا أن العديد من التغيرات الجوهرية والتى أثرت بشكل مباشر وكبير فى هذه المعطيات باتت تحث على ضرورة مراجعة النظم القائمة لاستحالة استمرار العمل بالمعادلات والافتراضات التى بنيت على أساسها.
عبد الفتاح الجبالى - الاهرام
وما يحدث الآن فى المجتمع يعد بمزلة إلقاء حجر فى المياه الراكدة لتحريكها وإعادة النظر مرة أخرى فى نظام التأمينات الاجتماعية بمجمله والتأمين على العمالة غير المنتظمة على وجه الخصوص، وهو ما يطرح بدوره التساؤلات العديدة حول النظام القائم وسبل إصلاحه فى ظل غياب الثقافة التأمينية عن المجتمع، وهى من أهم التحديات التى تواجه النظام الحالى وتنعكس بشدة فى العديد من المؤشرات أهمها انخفاض نسبة التغطية والتى بلغت نحو 58٫3% حيث تقاس بعدد المشتركين فى النظام الى إجمالى القوى العاملة اذ بلغ عدد المؤمن عليهم فى نهاية يونيو 2017 نحو 17٫5 مليون مشترك، بينما بلغت القوى العاملة نحو 30 مليونا،كذلك انتشار ظاهرة التهرب التأمينى نتيجة لارتفاع نسبة الاشتراكات. ويأخذ التهرب التأمينى عدة أشكال، منها الاشتراك عن عدد عمال أقل من الفعلي، أو الاشتراك عن بعض المدد التأمينية دون باقى المدد، أو الاشتراك بأجر أقل من الأجر الفعلي.
ناهيك عن تأثير ذلك على سوق العمل فى مصر من حيث زيادة العمالة فى القطاعات غير الرسمية نظرا لتأثيره على تكلفة التشغيل. ويخلق حافزا قويا للخروج من سوق العمل المنظم. وكذلك الاشتراك عند الحد الأدنى لأجر الاشتراك المنخفض نسبيا، وهذا الأمر يؤدى الى انخفاض قيمة المعاشات المنصرفة للشريحة العظمى من المشتركين مما يدفعهم للشكوى من النظام، للأسف فمازالت الأغلبية العظمى من المجتمع تنظر الى الاستقطاعات التأمينية على أنها خصم من الدخل، وليست نوعا من الادخار المستقبلى لهذا السبب عمدت القوانين الأخيرة على زيادته خلال السنوات الخمس المقبلة، خاصة القانون رقم 80 لسنة 2017 والقانون رقم 60 لسنة 2016 والذى نص على ان يكون الحد الأدنى لأجر الاشتراك التأمينى هو 400 جنيه شهريا يزاد بنسبة 25% سنويا لمدة خمس سنوات، ثم تعدل الزيادة الى 10% سنويا
يضاف الى ما سبق ارتفاع قيمة الأرصدة المستحقة للصناديق على المشتركين، إذ تشير إحصاءات صندوق التأمين بالقطاع العام والخاص إلى أن إجمالى المديونية المستحقة له على القطاعات المختلفة قد ارتفعت الى 22٫3 مليار فى نهاية يونيو 2017 ومعظم هذه المديونية مستحقة على القطاع الخاص الذى ارتفعت مديونيته خلال الفترة نفسها إلى 18٫1 مليار ومن الغريب ان البعض يتعامل مع هذه المسألة على انها مسألة ثانوية وليست ذات أهمية، وخير دليل على ذلك ما حدث مع أحد الأندية الكبرى أخيرا التى تشترى اللاعبين بالملايين المدفوعة نقدا وعدا، وتتقاعس عن سداد مستحقات التأمينات وتطالب بإعادة جدولتها على مدى زمنى أبعد رغم توافر السيولة النقدية لديها
وهذه الأمور وغيرها تؤثر بشدة على الأوضاع المالية للصناديق حيث يرتكز نظام التأمين الاجتماعى المصرى على حسابات اكتوارية فنية محددة، وكذلك المزايا التأمينية ويقوم على قاعدة سداد الالتزامات التأمينية طوال فترة الارتباط بالعمل مع نظام للمزايا التأمينية المحددة. ويتم تطبيق النظام من خلال منظومة متكاملة من القوانين بعضها إجبارى مثل القانون رقم 79 لسنة 1975. والقانون رقم 90 لسنة 1975 هذا فضلا عن القانون رقم 112 لسنة 1980 والقاضى بالتأمين الاجتماعى الشامل على العمالة غير المنتظمة، والذى تضمنت الفقرة الخامسة منه ما اصطلح على تسميته «معاش السادات» والذى مد الحماية التأمينية لكل من بلغ سن الخامسة والستين أو وقعت وفاته أو ثبت عجزه بالكامل ولم يستحق معاشا وفقا لقوانين التأمين الاجتماعى الأخرى قبل أول يوليو 1980. وخضع لأحكامه 16 فئة من فئات القوى العاملة وعلى رأسهم عمال الزراعة العاملون لحساب الغير، وأصحاب الحيازات الزراعية التى تقل عن فدان، وعمال التراحيل وعمال الصيد، والباعة الجائلون وغيرهم.
ويقوم تمويل هذا النظام على أساس مشاركة رمزية من المؤمن عليه وصلت أخيرا الى 7% من الحد الأدنى لأجر الاشتراك. يضاف الى ذلك بعض الرسوم التى تحصل على تراخيص العمل وتراخيص مراكب الصيد ورسوم على المحاصيل الزراعية وغيرها ورغم أن الخاضعين لأحكام هذا القانون تصل الى 2٫12 مليون فرد الا أن عدد من تم تسجيلهم فعلا لدى الصندوق المختص لم يزد عن 902 ألف فرد فى نهاية يونيو 2017 وفى المقابل يتم صرف معاشات سنوية لعدد 1152٫8 ألف حالة يضاف اليهم نحو 102 الف حالة معاش السادات. وبالتالى حماية العمالة غير المنتظمة يتطلب بالأساس إدخال تعديلات جوهرية على قانون التأمين الاجتماعى الشامل رقم 112 لسنة 1980 وتعديلاته بحيث يأخذ بعين الاعتبار كل التغيرات التى شهدها المجتمع المصرى خلال العقود السابقة، ويحقق الهدف الأساسى منه، وهو ضمان حياة كريمة لهذا القطاع العريض من المجتمع فالنظام الحالى كان قائما على معطيات اقتصادية وديموغرافية كانت متاحة آنذاك. إلا أن العديد من التغيرات الجوهرية والتى أثرت بشكل مباشر وكبير فى هذه المعطيات باتت تحث على ضرورة مراجعة النظم القائمة لاستحالة استمرار العمل بالمعادلات والافتراضات التى بنيت على أساسها.
عبد الفتاح الجبالى - الاهرام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق