بحث في هذه المدونة

الثلاثاء، 28 نوفمبر 2017

بروفايل غادة والي - عن صحيفة العرب اللندنية

 غادة والي في مهمة لنزع فتيل الغضب الاجتماعي في مصر
 

القاهرة - أشعلت حادثة العريش الإرهابية التي راح ضحيتها مئات المصلين الأبرياء قبل أيام، الغضب الشعبي المصري بكافة صوره، في هجوم نفذه مسلحون مجهولون على مسجد الروضة، شمال سيناء، الجمعة الماضية. يذكر أنه كان من بين القتلى عشرات الأطفال وفق البيانات التي وزعتها النيابة المصرية. المجزرة حدث هز المجتمع المصري، وهز معه أركان الدولة ومؤسساتها ومسؤوليها. ومن بينهم الوزراء أصحاب المشاريع الاستباقية لمحاربة التطرف.
 
ورغم أن غادة والي وزيرة شؤون التضامن الاجتماعي تنحدر من أسرة أرستقراطية، عاشت وتنقلت بين دول أوروبية عديدة، لكنها استطاعت أن تقترب من الطبقة التي اعتادت الحكومات المتعاقبة على أن تطحنها بقراراتها الاقتصادية، من خلال جملة من المشروعات الداعمة لهم، كي يستطيعوا مواجهة صعوبات الحياة.
 
لا يمكن أن تقع كارثة إنسانية أو أزمة تتعلق بالبسطاء في مصر، إلا وتكون هذه المرأة هي من تتصدر المشهد المتعلق بها، بالتواجد في قلب الحدث لمتابعة الموقف وصرف التعويضات ومؤازرة المتضررين وذويهم، بعدما اختيرت في الحكومة لتكون وزيرة للبسطاء.
 
نجحت والي في فك شيفرات المعادلة الصعبة الخاصة بالتفرقة بين نشأتها في أسرة ميسورة ودورها الرسمي الذي كلفت به في ظروف معقّدة منذ اختيارها لحقيبة التضامن الاجتماعي في حكومة إبراهيم محلب، فبراير 2014 خلال فترة حكم الرئيس المؤقت عدلي منصور، بعد إزاحة حكم جماعة الإخوان عقب ثورة 30 يونيو 2013.
 
ورغم محاولات دعم الفقراء ومحدودي الدخل بمشروعات صغيرة، لكن تبقى الأمور أكثر تعقيدا بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي مرت بها البلاد خلال السنوات الأخيرة، وتراجع معدلات النمو وزيادة وتيرة الفقر في أوساط المواطنين.
 
المسؤولة الميدانية
 
تقدّم والي نموذجا جيّدا للوزيرة المكافحة بعدما اهتمت بالجولات الميدانية لزيارة الفقراء في منازلهم واستضافة مواطنين في مكتبها، وتكرار مطالبة الحكومة بزيادة المعاشات وتدشين مبادرات عديدة لتحسين وضع البسطاء عبر العمل الأهلي والخيري. هناك من اتهمها بالتقاعس عن أداء مهام دورها والتركيز على الجانب الاستعراضي لتحركاتها، وتجاهل هؤلاء المجهود الذي تبذله لخفض معدل الفقر وتفريغ محاولاتها الرامية إلى تحسين مستوى قطاع كبير من المواطنين.
 
غادة والي تنجح، على الدوام، في فك شيفرات المعادلة الصعبة الخاصة بالتفرقة بين نشأتها في أسرة ميسورة ودورها الرسمي الذي كلفت به في ظروف معقدة، إذ تم اختيارها لحقيبة التضامن الاجتماعي في حكومة إبراهيم محلب، خلال فترة حكم الرئيس المؤقت عدلي منصور، بعد إزاحة حكم جماعة الإخوان
 
الوزارة اهتمت في عهد والي بإطلاق الحملات المتلفزة وأبطالها شخصيات عامة لتوعية بخطورة المخدرات والختان وغيرها من القضايا الشائكة في المجتمع المصري، وتعرضت وقتها لاتهامات بتبديد ميزانية الوزارة في إعلانات بدلا من توفيرها في شكل يستفيد به المواطن بشكل مباشر.
 
اختارت لنفسها منذ أن كانت شابة في الثلاثينات الابتعاد عن أحلام الطبقة الثرية التي تنحدر منها، وتكون على مقربة من ملف مساعدة الطبقات الأكثر احتياجًا، فهي كما تقول، عاشقة للتعامل مع هذه الفئات، لأنهم لم يتلوثوا بأي مغريات للحياة، وطموحاتهم تبدو مقتصرة على العيش في سلام وأمان، وأحلامهم بسيطة ومعاناتهم قاسية.
 
انغسمت والي كوزيرة مختصة بشأن محدودي الدخل في مشوارها الذي امتد لسنوات في مجال العملي الأهلي والخيري، ما سهّل عليها مهمة أن تكون مسؤولة عن الفئات الأكثر احتياجا، فعملت عن قرب مع عدد من منظمات المجتمع المدني وسلطات التنمية المحلية لأكثر من 18 سنة قبل أن تكون وزيرة.
 
واختيرت الوزيرة لتقود فريق القروض الصغيرة ببرنامج تنمية المجتمع، وكانت عضو في أكثر من جمعية، وشغلت منصب الرئيس المشارك لمجموعة فرعية من الجهات المانحة وتعمل في مجال تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وترأست الجمعية المصرية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، وكانت خبيرة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
 
في العام 2001 وقع عليها الاختيار من برنامج هيئة كير الدولية لتكون مديرة لبرامجها في مصر، واستمرت حتى عام 2004، ثم شغلت منصب مساعد الممثل المقيم ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في القاهرة حتى اختارتها الحكومة المصرية لتكون الأمين العام للصندوق الاجتماعي للتنمية، المعني بتقديم القروض للطبقات الفقيرة والمتوسطة.
 
 
 
تصريحاتها حول نزاهة عمل الكثير من الجمعيات، لم تمنع والي من إلغاء كل جمعيات الدعوة الملحقة بالجمعيات الخيرية، لمنع تسييسها ووقف زحف التيار الديني عليها.
 
 
 
نجمة وسائل التواصل
 
شغلت والي وسائل التواصل الاجتماعي مرتين بمواقفها المثيرة، الأولى عندما انتشر مقطع يعرض بكاءها الشديد أثناء ندوة تحدثت فيها زوجة أحد شهداء القوات المسلحة، وهو ما أشاد به البعض، بينما اتهمها آخرون بمحاولة استدرار عطف الناس والإيحاء أنها قريبة من البسطاء وأوجاعهم.
 
أما المرة الثانية فعندما صب البعض غضبهم عليها بعدما بكى حسام المساح أمين عام المجلس القومي لشؤون الإعاقة على الهواء مباشرة متهما الوزيرة بالسخرية منه وعدم تقديمها الاهتمام الكافي للمعاقين في مصر.
 
والي هي ابنة فتحي والي الذي كان عميدًا لكلية الحقوق بجامعة القاهرة، الذي عرف عنه قدسية العلم، لذلك أرغم أبناءه ومنهم، غادة، على حب واحترام العلم والكتب والثقافة، وكان يصطحبهم إلى دول مختلفة، للاطلاع على ما استجد من علوم ومعرفة، وزيارة متاحف البلاد ومعالمها الشهيرة. تقول عن نفسها “نشأت في أسرة تقدّس الالتزام والجدية وإتقان العمل والتفاني، والفصل التام بين طبيعة المنصب والفئة المستهدفة من هذا المنصب وهو ما انعكس عليّ كوزيرة مسؤولة عن تحسين معيشة أصحاب الدخول المتدنية والفقراء”.
 
ألحقها والدها بمدارس الراهبات، التابعة للكنيسة المصرية، كي تتعلم ثقافة التطوع، لأن هذه المدارس كانت تلزم طلابها بتخصيص جزء أساسي من وقتها ومصروفها، للتطوع ومساعدة الآخرين وزيارة المرضى، وهو ما كررته مع أبنائها كي يتعلموا نفس ما تعلمته بالمدرسة.
 
تتلقى والي دائما هجمات المؤسسات الحقوقية المحلية والدولية بسبب قانون الجمعيات الأهلية الذي صدر مؤخرا وتحركات الحكومة لمحاصرة العمل الخيري في مصر. وباعتبار والي المسؤول الحكومي المختص بهذا الشأن، يتهمها الحقوقيون باستخدامها للقانون “المعيب” لتكبيل حريات العمل المدني وفرض قيود شديدة على تمويل وإدارة الجمعيات الأهلية المختلفة.
 
 
 
والي تنشط بإطلاق حملات أبطالها من الشخصيات العامة للاهتمام بالناس وللتوعية من القضايا الشائكة في المجتمع.
 
 
 
القانون المعيب
 
لقد أثار ذلك القانون الجديد موجة من الجدل الشديد بسبب القبضة الأمنية التي فرضها على تلك الجمعيات، وأبرزها استخراج تصريحات لكافة الأنشطة ووقف أغلب مصادر التبرعات للعمل الخيري وتعقيد عملية إنشاء جمعيات أهلية.
 
الدولة تعلل بأن القانون من شأنه تجفيف الجمعيات التي تموّل الإرهاب وتثير الفتن والتي تعود أغلبها إلى جماعة الإخوان المسلمين والتيار السلفي، ويتم توظيفه في التسلل لطبقات المجتمع الدنيا وتوجيههم لأغراض سياسية.
 
ورغم اعتراف والي بضرورة عدم تعميم دور الجمعيات الأهلية وربطها بالإرهاب وضرورة إتاحة الفرصة لهم لمساعدة الفقراء، لكن القبضة الحديدية على الجمعيات حالت دون ذلك.
 
وتقول والي “قد تكون هناك قلة منحرفة، لكن نحن لا نعمّم هذا، لأن الجمعيات الأهلية المصرية قامت خلال العشرين سنة الماضية بدور كبير في حماية ورعاية هذا المجتمع وتقديم خدمات كثيرة عجزت الدولة أحيانا عن تقديمها”.
 
وتسببت العلاقة المضطربة بين الحكومة والجمعيات الأهلية في تراجع دور المجتمع المدني في التنمية وإغلاق العشرات من المراكز الخيرية في الأقاليم دون تعويضها من قبل الدولة، ولم تفعل والي ما يجب القيام به بشأن الفرز بين الغث والسمين، والتفرقة بين الدور الإيجابي للجمعيات والدور الهدّام الذي يقوم به البعض.
 
وبرغم تصريحاتها حول نزاهة عمل الكثير من الجمعيات الأهلية، لكنها لم تتردد في إلغاء كل دور تعليم وتحفيظ القرآن والدعوة للإسلام الملحقة بالجمعيات الخيرية الخاصة التي تتبع جماعة الإخوان المسلمين وغيرها، بحجة منع تسييسها ووقف زحف التيار الديني عليها ومنعها من الاقتراب من الفقراء الذين لم تستطع أن تخفف “هي” عنهم آلامهم.
 
ويقول مناصرون لتحركات وزارة التضامن الإجتماعي إن الوزارة قضت على أحلام الاخوان والسلفيين باستقطاب البسطاء ليكونوا قوة داعمة لهم في مواجهة النظام من خلال المساعدات التي كانت تقدّم لها عبر الجمعيات الإخوانية، ومن ثم تكون الطرق مفتوحة أمامهم للعب على وتر الفقر وسوء الأحوال المعيشية.
 
 
 
الوزيرة الجريئة تطالب بإغلاق تلك الثغرة التي يتسلل منها الإسلاميون إلى البسطاء باتخاذ إجراءات فورية (الصورة من مجزرة مسجد الروضة الأخيرة).
 
 
 
ووضعت غادة والي جميع الجمعيات الإخوانية تحت إشرافها ورقابتها المباشرة، لتستمر في خدماتها ولكن التوقيع على الشيكات والصرف من التمويل يكون برقابة شديدة، للتأكد من أن التمويل موجّه إلى مصارفه المعلنة والمحددة التي تخدم المجتمع، وليس لأنشطة إرهابية تضر بالأمن القومي للبلاد.
 
ولأن البسطاء كانوا وما زالوا الفئة التي تعوّل عليها المعارضة المصرية لتنفيذ أغراضهم واستخدامهم أداة لإزعاج النظام، كانت غادة والي مطالبة بغلق هذه الثغرة بجملة من الإجراءات لتكون حائلا أمام المعارضة الإسلامية للوصول إلى هذه الطبقة من بوابة الفقر، وهذه مهمة صعبة أمامها، لكنها تبدو الأهم عند الحكومة ومؤسسات الدولة.
 
كرامة البسطاء
 
أنشأت والي عددا من المبادرات والمشروعات الخيرية، أبرزها مشروع “تكافل وكرامة” لتستفيد منه 500 ألف أسرة فقيرة براتب شهري معيّن، وأطلقت حملة “أطفال بلا مأوى” لدمج أطفال الشوارع في المجتمع بإعادة إلحاقهم بالتعليم والاتفاق مع القطاع الخاص لتوظيفهم واحتوائهم بدُور رعاية مجتمعية لتجنّب استقطابهم للقيام بعمليات إرهابية، وأطلقت مشروع الأُسر المنتجة بقروض دون فوائد بنكية لخدمة الأُسر الفقيرة.
 
وهي اليوم تتعرّض للنقد بسبب ضعف العائد الاجتماعي لتلك الحملات وعدم القدرة على تحسين الظروف المعيشية لأكثر من 50 مليون مصري تحت خط الفقر، وفي ظل الظروف الاقتصادية شديدة التعقيد، والدعم المالي المقدّم للفقراء المحدود، تبقى مهمة الوزارة أكثر صعوبة.
 
يظل تجاهل الحكومة لصرخات البسطاء والسير في طريق خفض الدعم ورفع أسعار الخدمات التحدي الأصعب أمام غادة والي، كي تستطيع القيام بمهمتها، وما لم تستطع تحريك هذه المسألة ومساعدة الشريحة العريضة من البسطاء سوف تواجه حزمة من الصعوبات التي يمكن أن تحدّ من طموحاتها السياسية مستقبلا.
 
أمام التحديات المفروضة عليها وشحّ الدعم المالي المقدّم للقيام بمهامها الموكولة إليها، لجأت غادة والي إلى سياسة "الدعم النفسي" عن طريق تقديم التصريحات الإيجابية المتعاقبة في الإعلام للأخذ بيد البسطاء لتذليل الشعور العام لديهم بأن الحكومة تقف ضدهم وتتعامل معهم باعتبارهم درجة ثانية.
 
من بين تصريحاتها اللافتة “أن المرأة البسيطة أفضل مئة مرة من المرأة الغنيّة، هذه تكافح بجهد وتؤثر في المجتمع وتلك لا دور حقيقي لها”، وفي محاولة للتغطية على ثراء أسرتها قالت “الأسر الفقيرة تاج على رؤوس الحكومة ونعتذر لها عن الظروف التي دفعتنا إلى زيادة معاناتها”، وامعانا في نفي المفهوم الأرستقراطي المأخوذ عنها أكدت أن “من لا يشعر بالفقراء لا يمكن أن يكون إنسانًا له آدميته فهم قدوة لمن أراد العيش في سلام”.
 
تدرك غادة والي، بأن غضبة البسطاء لا نجاة منها، وأنهم الفئة الأكثر قدرة على الحشد ولن يوقف أحد هؤلاء إذا قرروا الخروج إلى الشوارع للتعبير عن سوء أوضاعهم، لذلك تتعامل على أنها وزيرة في مهمة نزع شرارة الغضب عن الوصول للطبقة الفقيرة، وتجاهد وحدها في هذه المهمة الثقيلة، إذ تتحمل وحدها الآثار السلبية لقرارات الحكومة وانعكاسها على البسطاء. 
 
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق