بحث في هذه المدونة

الأربعاء، 26 سبتمبر 2018

منع العمل فوق الستين.. وخيل الحكومة

يستعد أحد نواب البرلمان لتقديم مقترح منع العمل فوق سن الستين عامًا، وأوضح أن الهدف من القانون خلق فرص عمل جديدة للشباب والاستفادة من نشاطهم في كل القطاعات؛ سواء العامة أو الخاصة، مؤكدًا أن هذا المقترح سيوفر للدولة أربعة مليارات جنيه سنويًا.

واستنكر، استمرار الكثير من القيادات فوق سن السبعين واحتكارهم المناصب الإدارية، مطالبًا بضخ دماء جديدة - خاصة إن كانوا من الشباب - داخل المؤسسات المختلفة، ما سيكون له تأثير إيجابي، كما طالب بتعميم مقترحه على القطاعين العام والخاص، وليس المخاطَبين بقانون الخدمة المدنية فقط.

والحقيقة أن مقترح منع العمل فوق سن الستين، موجود بقانون الخدمة المدنية، وأنه يستهدف العاملين بقطاع الأعمال؛ حيث تكمن المشكلة في أن أغلب مجالس إدارة الشركات بقطاع الأعمال تتجاوز أعمارهم السبعين عامًا، وفى القطاع العام تبرز ظاهرة المستشارين الموجودين في كثير من المؤسسات، وبعضهم لا حاجة به، أما القطاع الخاص، فلا أظن أن أحدًا بحاجة إلى إلزام أصحاب العمل بمن يعمل لديه، فهو أحرص على ماله ومصلحته من أي قوانين.

إلا أن مشروع القانون تناسى أن جميع قطاعات الحكومة وقطاع الأعمال لا يتم فيها أي تعيينات جديدة منذ سنوات، كما أن هناك بعض الخبرات النادرة يجب أن تستمر ولا يستغنى عنها بغض النظر عن السن، ولا يمكن تعويضها بحماس الشباب ونشاطهم؛ إلا أن هذا المشروع يثير قضية مهمة وهى: لماذا يحرص الكثيرون في مصر على الاستمرار في العمل بعد سن الستين.

ربما يعود ذلك لأنه ليس لدينا ثقافة الاستمتاع بالحياة، بداية من الإجازة الأسبوعية والسنوية، مرورًا بالوصول إلى سن المعاش، كما أن البعض، وخصوصًا الرجال، يشعر أن حياته قد انتهت عندما يدخل إلى هذه المرحلة، معتبرًا أنه أصبح بلا أهمية، وأن العمل هو الذي يعطيه كينونته، وأهمية لحياته، وأن الاستغناء عنه معناه أنه أصبح "خيل الحكومة" التي يتم ضربها بالنار بعد أن تعجز عن العمل.

أما في الخارج فهم يضعون الخطط لكيفية قضاء هذه الإجازات الأسبوعية والسنوية، أما فترة المعاش، فيعتبرونها من أجمل الفترات التي يستمتعون فيها بحياتهم بعيدًا عن المناصب والالتزامات؛ ولذلك نجد أن أصحاب الإبداعات، كالأدباء والرسامين والممثلين وغيرهم، يمكن أن يعلن اعتزاله الإبداع والتفرع للعمل الاجتماعي التطوعي الذي يمكن أن يشغلون فيه أوقاتهم لمصلحة المجتمع؛ وهي ثقافة غائبة عنا.

أما الأهم، أنهم في الخارج يهتمون بكبار السن اهتمامًا كبيرًا، فيستطيعون أن يعيشوا بقيمة معاشهم عيشة مريحة، بالإضافة إلى أنهم يتمتعون بتأمين صحي شامل، وهو شيء مهم جدًا لكبار السن.

أما لدينا فإننا نعاني من تضخم اقتصادي كبير، جعل متوسطي الدخل يعانون في كيفية موازنة دخلهم مع مصاريفهم، أما من يخرج إلى المعاش، فإنه يتقاضى معاشًا أصبح لا يكفي قيمة فاتورة الكهرباء والمياه، ناهيك عن ارتفاع أسعار كل الخدمات واللحوم والخضراوات والفاكهة والمواصلات وغيرها، ناهيك عن فاتورة العلاج التي تحتاج إلى أضعاف معاشه ليعيش عيشة كريمة.

لقد تظاهر آلاف الروس احتجاجًا على قرار الحكومة برفع سن المعاش؛ عندما أعلن رئيس الوزراء أن الحكومة تريد رفع سن التقاعد للرجال خمس سنوات، ليصبح 65 بدلا من 60، وللنساء ثماني سنوات ليصبح 63 بدلا من 55، بينما في مصر يحرص الكثيرون على الاستمرار في العمل طالما هو قادر على العطاء؛ ليحصل على راتب معقول بدلا من معاش هزيل!! تلك هي القضية!!
 
ألاهرام - جمال نافع
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق