بحث في هذه المدونة

الجمعة، 17 أغسطس 2018

عم حسنين بائع جرائد: "امعدش يشتري الجرايد غير بتوع المعاش"

مع إشراقة شمس كل يوم يخرج من منزله الكائن بإمبابة ليقطع مسافة إلى حي المهندسين، حيث يستأجر "كشك" يبيع فيه "الجرائد" ولأنها لم تعد تدر له دخلا كما كان في عهدها السابق، راح يبيع إلى جوارها سجائر ومشروبات غازية وبسكوتات.

يجلس عم "حسانين" بين الجرائد المتراصة على الأرض، وقد ترك الزمن آثاره على ملامحه وخصلات شعره البيضاء، يطلق ابتسامة على وجهه الأسمر ليستقبل زبائنه في ساعات الصباح، يقدم أحد الزبائن يتطلع إلى عنوانين الصحف المختلفة، يمسك بالتي جذبته عنوانيها، يتصفحها ورقة تلو الأخرى ثم يضعها مرة أخرى بين الجرائد وينصرف دون أن يشتري.

لم يعد ينزعج الرجل الستيني من هؤلاء الزبائن، أصبحوا يثيرون ضحكاته "ياستي اللي ما يشتري يتفرج..خلي الزباين تتدلع"، باتت هذه هي قناعة "عم حسنين" منذ أن ارتفعت أسعار الجرائد من جنيه واحد إلى 150 قرش ثم إلى 200 جنيه.

منذ السبعينات وبدأت رحلة "عم حسنين" في بيع الجرائد، عشقها كثيرا حتى أنه يعد نفسه واحدا من أبناء صاحبة الجلالة "أنا بقيت أفهم في الصحافة أكتر من الصحفيين دي عشرة عمر"، لذا لم يفكر يوما أن يتخلى عنها وإن كان يخسر حاليا من وراء "بيع الجرائد".

يقول "عم حسنين" لـ"الميدان" إن الزبائن من مختلف الأعمار كانوا يقبلون على شراء الجرائد بشكل كبير ليلا ومساء، حتى أنهم يعتبرونها مثل وجبات الطعام، لذا كان يبيع من 500 إلى 1000 عدد من مختلف الجرائد يوميا، هذا حين كانت ثمن الجريدة 100 قرشا، أما بعدما أصبحت بـ 200 قرشا، فأقصى ما يبيعه 100 عدد.

هكذا الحال والجريدة الآن بـ 2 جنيه، ولكن ماذا بعد أن قررت الهيئة الوطنية للصحافة رفع أسعار الصحف 50% ليصبح سعر الجريدة الورقية 3 جنيهات؟، حين سمع "عم حسنين" هذا الخبر تعالت ضحكاته "هي ناقصة داحنا كده كده مش عارفين نبيع..نجيبوا ناس منين تشتري..أهو النت هيريح الناس ويوفر عليهم".

يعتدل عم حسنين في جلسته ويمسك بإحدى الجرائد، تجوب عينيه بين سطورها كالذي يراوده الحنين: "أنا من السبعينيات وأنا بقعد القعدة دي، وكان الزبون يجي يلم 4 جرايد، دلوقتي يبص على العنوانين ويقول سلام عليكم ويمشي".

لم يحزن "عم حسنين" على الخسارة ولكنه يشعر بالآسى على حال الناس ولاسيما أولئك الذين يشتهون قراءة الجرائد ويتمعتون بها: "يابنتي في ناس غاوية قراية الجرايد لا يشبعها نت ولا تلفزيون، بس القرش اللي معهم عيالهم أولى بيه في الغلا ده".

ورغم توقع "عم حسنين" أن يندثر بيع الجرائد إلا أنه لايزال يعلق أملا على أولئك كبار السن الذين يتشبثون بقراءتها مهما ارتفع أسعارها "معدش يشتري الجرايد غير الناس السهارى بتوع المعاش، يقعد يقرأ فيها تسليه لحد ما يلاقي لقمة يغدوه.. رزقنا على الله والمكسب من عند الله”.

ولم يكن “عم حسنين” سوى واحد من الذين عاصروا بيع الجرائد وشاهدون على ما ألم بها من انخفاض تدريجي في بيعها حتى كادت تختفي الصحافة الورقية، ولاسيما بعد قرار الهيئة الوطنية للصحافة، في يوم 8 أغسطس الجاري، برفع أسعار الصحف 50%، وهو ما اعتبره صحفيون بمثابة شهادة وفاة للصحافة الورقية.

”الصحافة بتموت حرفيا.. وهذا القرار سيكون المسمار الأخير في نعش الصحف الورقية التي توزيعها متراجع بشدة في الأساس”، هكذا كان تعليق عمرو بدر، عضو مجلس نقابة الصحفيين، على قرار رفع أسعار الصحف، معتبرا أنه خطوة جديدة في طريق قتل الصحافة، حسبما ذكر ذلك على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي.

ومن المقرر أن يتم تطبيق رفع أسعار الصحف مع مطلع شهر سبتمبر المقبل، على أن يكون سعر الصحيفة الورقية اليومية 3 جنيهات، و4 جنيهات للأسبوعي، بزيادة جنيه لليومي وجنيهين للأسبوعي.
 
 
الميدان
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق