بحث في هذه المدونة

الأحد، 5 أغسطس 2018

الشائعات وهيكل الأجور في الدولة (1)

أهمية الشائعات وخطورتها حقيقة في كل الأزمنة والبلاد، وتزداد خطورتها في العصر الحالي مع تقدم وسائل الاتصال والتواصل؛ لأنه في الماضي كانت وسائل نقل الشائعة تحتاج لوقت أطول في الانتشار - عكس الحاضر - وتزداد خطورة الشائعات في المجتمعات التي تقل فيه الثقافة، وينتشر الجهل وغياب الوعي المجتمعي، مع غياب الشفافية والصراحة والديمقراطية من جانب الحكومات والمسئولين.

كما يزداد تأثيرها في فترات الضغوط الاقتصادية والمجتمعية، ومن ثم ضرورة الاهتمام بهذه القضية ومواجهتها؛ لأنها واقع نعيشه ولا يمكن الهروب أو التجاهل؛ لأن عواقب ذلك وخيمة على الجميع، وعلينا المواجهة والاستفادة بنفس السلاح؛ فوسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي تكنولوجيا متاحة للجميع، فمنها الهجوم وبها أيضًا ندافع ونهاجم ومن يتخلف عن وسائل العصر فليس له مكان، وبالتالي علينا المصارحة والمواجهة وأساليب الماضي القريب أصبحت لا تناسب عصر ما بعد الحداثة، وهنا تكمن المشكلة الحقيقية، وهي أننا في كثير من الأحيان نتعامل مع مشكلاتنا بعقلية الماضي، وهي لا تصلح تمامًا لهذا العصر.

ولذلك أرى من الضروري والواجب علينا عرض ما يتداول من شائعات والرد عليها بشفافية، خاصة المهمة منها والخطيرة، ومن أهم هذه الشائعات ما يتردد ويتداول على هذه المواقع من التفاوت الكبير في الأجور أو الدخل بين القطاعات أو الوزارات المختلفة في الدولة، والحقيقة أن هناك مشكلة بدرجة أو أخرى في هذا المجال، وهي لا ترجع للحكومة الحالية؛ بل ترجع لعقود سابقة، ولكن المشكلة مستمرة على الأقل عبر وسائل الاتصال، وهنا علينا المواجهة بشفافية والحديث عن المشكلة وجذورها وخطة الحكومة لمواجهتها وتصحيحها، ولو على مدى عشر سنوات مثلاً، ويبقى المهم المواجهة والبدء في الإصلاح.

وهنا لا نقصد المساواة بين كل القطاعات؛ بل العدل بمعنى أن هناك بالطبع فروقًا في نوعية العمل في أبعاد كثيرة، بداية من الجهد إلى درجة التعرض للمخاطر إلى الخبرات وغيرها؛ ولذلك المطلوب الآن النظر في قانون عمل جديد لجميع العاملين في الدولة بدون استثناء ويراعي فيه جميع الأبعاد، ومنها على سبيل المثال أن درجة التعرض للخطورة في العمل، وبحسب الدرجة يكون التميز الاقتصادي، وهنا يجب تميز رجال الجهات الأمنية والأطباء وبعض المهن الأخرى؛ مثل العاملين في النظافة والصرف، وبالنسبة لهذه القضية تحديدًا يتردد على وسائل التواصل أن بدل العدوى للقضاء ثلاثة آلاف جنيه؛ في حين أن الأطباء لا يحصلون حتى على الألف جنيه التي صدر بها حكم، فهذه شائعة متداولة يجب الرد عليها، وليس الإخفاء أو السكوت.

وإذا كانت هناك أخطاء من حكومات سابقة، فلماذا لا نصلحها، ثم قضية شهداء الوطن يجب أن يحصل الأبناء والأهل على كامل حقوقهم، وأقلها أن يكون المعاش نفس أجر زملاء الشهيد، وهنا شهداء الوطن في كل مجال حتى لو كان عاملاً بسيطًا في أعمال النظافة أو غيرها، وبالطبع موقع مكان العمل بالقرب أو البعد عن الأسرة ونوعية الحياة والخدمات المتوافرة، يجب أن تراعى في الراتب، وكذلك نوعية المؤهل أو الدرجة العلمية والتقدير.

هذه مجرد أمثلة، ونحن لا نخترع العجلة؛ فكل هذه الوظائف والأعمال موجودة في الخارج، ويسهل دراسة تجارب ورواتب الدول الأخرى في هذا المجال؛ ولذلك فليس هناك ما يجب إخفاؤه؛ بل لن نستطيع إخفاء شيء في هذا العصر؛ ولذالك فالصراحة والمواجهة واجبة ومطلوب حوار مجتمعي يشارك فيه شركاء الوطن؛ للوصول لحلول مرضية للجميع؛ لأنها فتنة خطيرة تهدد تماسك المجتمع، 

وهناك أيضًا مشكلة ومحنة أصحاب المعاشات، خاصة بعد تداول فيديو للدكتورة ميرفت التلاوي الوزيرة السابقة في أحد برامج التليفزيون، وقولها بأن إجمالي مبالغ التأمينات بلغ في عام 2006 نحو 426 مليار جنيه مصري؛ لاحظ المبلغ بالمليار، ولكن ما تم ضمه لميزانية الدولة 200 مليار فقط ، وأن هناك 226 مليار جنيه لا يعرف أين هي، وهذا سبب ضعف المعاشات ومحنتهم؛ ولذلك مطلوب أيضًا من الحكومة الرد على ذلك أو فتح باب التحقيق؛ لأن السكوت عن هذه المشكلات يزيد تفاقم الأمور، ويعطي فرصة ذهبية لأعداء الوطن ومروجي الشائعات لإنجاح مخططاتهم، وعلينا تأكيد أن الوسائل القديمة في مواجهة هذه المشكلات لم تعد مجدية في التعامل مع مستجدات العصر؛ لأن قانون عصر ما بعد الحداثة هو: "أن من يتجاهل فهو لا يجيد التعامل بأساليبه ويجد نفسه خارج العصر".



د. حاتم عبدالمنعم أحمد

أستاذ علم الاجتماع البيئي بجامعة عين شمس
الاهرام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق