بحث في هذه المدونة

السبت، 26 مايو 2018

مصر «صابر المنسى».. ومصر «الأخرى»!

«سعيد صابر راضى المنسى» هذا هو «اسمى».. وعدا الأول منه فهو عنوان دقيق لما «أعانيه».. فلست سعيداً بالمرة بل منهزم ومكسور ومحبط وأعيش حالة من الاكتئاب، ولكننى صابر وراض بحالى، على الرغم من أننى «المنسى» دائماً فى كل وأى وقت، بل إننى «الذنب الذى لم يغفره الله» للحكومات التى تعاقبت علينا منذ عام 1952 ولم لا؟!.. ألا يقولون إن لكل «واحد» نصيباً من اسمه؟!

هناك ملايين من أمثالى «ركلتهم» الحياة خارج هامش الاهتمام.. «سحقهم» الفقر.. «سحلتهم» الحاجة «أذلهم» المرض «عرّاهم» الجوع.. «صفعتهم» قسوة قلوب بعض المسئولين حتى من جانب من يّدعى مراعاة العدل والرحمة.. ولم تعد أعين «ملايين صابر المنسى» تذرف دموعاً بل دماً..!

أبلغ من العمر 64 عاماً.. متزوج وأعول ثلاثة أبناء، تخرج واحد منهم فقط فى الجامعة وعندما لم يجد أى عمل اضطر إلى أن يعمل «طيار هوم ديليفرى» فى محل فراخ.. والاثنان الآخران لا يزالان يدرسان بالجامعة.. أما «أم العيال» فهى ربة منزل اضطرت إلى الاستقالة فور أن رزقنا بالابن «البكرى».

كنت أعمل فى إدارة تراخيص المبانى فى أحد أحياء القاهرة -«لا لا بلاش نظرة الشك دى.. فلست ممن يمد يده ليتلقى رشوة ولم أفتح درج مكتبى فى أى يوم من الأيام لآخذ ثمن الشاى»- وعندما أحلت إلى المعاش ظننت أن الوقت قد حان لأستريح غير أن الـ1750 جنيهاً «قيمة المعاش» لم تترك لى أى فرصة للراحة، بل بدأت «رحلة الشقاء» مرة أخرى بعد أن وفقنى الله سبحانه وتعالى إلى وظيفة فى إحدى شركات المقاولات فى «حلوان»، على الرغم من أننى أسكن فى «المطرية» فى شقة 90 متراً ومع ذلك تلتهم 50 جنيهاً إيجاراً شهرياً لها..!

لست مضطراً إلى أن أصف حجم المعاناة التى أعانى منها كل شهر فى تدبير احتياجات البيت ومطالب أبنائى أو شراء الأدوية لى ولزوجتى التى تعانى مثلى من «الضغط والسكر» وهى الأدوية التى تكاد تكمل على بقية المرتب بالكامل بعد رفع أسعارها أكثر من مرة خلال الفترة الماضية، إضافة طبعاً إلى فاتورة الكهرباء والمياه التى تكاد تتضاعف قيمتها كل شهر..!

كدت أطير فرحاً عندما قرأت فى الصحف أن «المحكمة» قضت بأحقية أصحاب المعاشات فى ضم 80% من قيمة آخر 5 علاوات على قيمة معاشاتهم، غير أننى أصبت بخيبة أمل عندما علمت فى ذات اليوم أن وزيرة «التضامن الاجتماعى» الدكتورة «غادة والى» استأسدت على الغلابة، وقررت الطعن على قرار المحكمة الذى ترفض تنفيذه، على الرغم من أنها بالتأكيد رحبت تماماً بعد أقل من أسبوع بقرار «مجلس النواب» برفع مرتبات ومعاشات رئيسى مجلسى الوزراء والنواب والوزراء والمحافظين..!

ولأن المصائب لا تأتى فرادى فقد فوجئنا «أنا وكل من يحلو للحكومة تسميتنا مواطنين محدودى الدخل» برفع بل بمضاعفة قيمة تذكرة المترو 250% للمرة الثانية خلال أقل من عام، كما لو كانت «المشرحة ناقصة جثث»، على الرغم من أننى لن أضار كثيراً بهذه الزيادة، حيث إننى أصبحت من كبار السن.. إلى جانب ما ننتظره من الموجة الثانية من رفع أسعار الكهرباء والمياه والبنزين مع بداية شهر يوليو المقبل، التى بالتأكيد ستصاحبها موجة عالية من ارتفاع الأسعار «وفق ما يراه كل تاجر» بعد أن تحولت كافة أجهزة الرقابة التموينية وحماية حقوق المستهلك إلى مجرد لافتات على مجموعة من المبانى دون أى فاعلية.!

كل هذه المعاناة تجرى بينما قال أحد مسئولى الجمعيات الأهلية التى تجمع تبرعات من المواطنين «ليس لدينا فقراء فى مصر».. والغريب أنه قال هذا الكلام فى المؤتمر الخامس للشباب أمام الرئيس السيسى الذى سبق أن قال بنفسه: «نحن فقراء قوى..!».. والأغرب أن جمعيته تبث إعلانات وبخاصة فى شهر رمضان وتعرض دائماً فيلماً عن المعاناة الشديدة للفقراء لا لشىء إلا لضمان جمع التبرعات..!

وإذا كانت الحكومة تكرر فى كل وقت وأى مناسبة وصفنا بأننا «خط أحمر» غير مسموح الاقتراب منه، إلا أن الواقع يؤكد أننا «خط أخضر» يتحتم تجاوزه بكل بساطة أو حتى «دهسه».. ولم لا؟! فقد أصبح لكل منا مصر التى فى خاطره‏.. ‏ يعيش فى حدودها التى يرسمها بنفسه‏.. يخضع لقوانين يعكف على تشريعها هو‏.. ويمتثل لدستور يصوغ أحكامه بنفسه‏..‏ حتى مواطنيها يختارهم هو بنفسه‏!!

فبالفعل هناك مصر بمواطنيها الذين يمثلون «الخط الأحمر».. ومصر مسئولو الجمعيات الأهلية الذين يتسللون إلى جيوب المواطنين «حتى الغلابة منهم» دون أن تخضع الأموال التى يجمعونها إلى نوع من الرقابة، باعتبارها أموالاً عامة.. وهناك مصر الوزارية الرسمية‏.. ومصر المواطنون والعشوائيات‏.. مصر التى تشق طريقها على أربع عجلات وتحمل جسماً من الصاج الأسود يكفى ثمنه لإعاشة مواطنى أحياء بكاملها لعدة أشهر.. ومصر التى يختنق مواطنوها بأتربة تثيرها عجلات «التوك توك» بعد أن يُحشروا فيه‏..!!‏

وهناك أيضاً مصر التى يحتاج مواطنوها خبيراً اقتصادياً لمعاونتهم فى مواجهة احتياجاتهم الضرورية لمدة أسبوع واحد فقط من الشهر بسبب الموجات المتلاحقة من ارتفاع الأسعار فى كل الخدمات والسلع، التى أصبحت تنافس فى ارتفاعها الأرقام التى يتجاوزها ذلك الثعبان الزئبقى فى أى ترمومتر بمجرد أن يُدس فى فم مريض يعانى من الحمى‏ الشديدة!.. ‏ومصر التى يرى مسئولوها أن كل قرار بزيادة الأسعار «يصب فى مصلحة المواطن»..!

يبدو أننا «مواطنى هذا الخط الأحمر» هم المشكلة التى تعانى منها الحكومة، إذ إننا لا نكتفى بتلك المتاعب التى نثيرها لهم بل نبخل عليهم ببضعة آلاف من الجنيهات زيادة فى مرتباتهم ومعاشاتهم..!!‏

عبدالعظيم درويش - الوطن





 
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق