بحث في هذه المدونة

الأربعاء، 23 مايو 2018

العدالة الاجتماعية بين الاشتراكية والرأسمالية

لا يمكن لمنصف أن ينكر أننا نعيش أزمة متراكمة ومترامية الأبعاد مهما اختلفنا فى توقيت بدايتها وأسبابها والتى نختلف فى طرق علاجها أيضا.. وهذا أمر طبيعى يدفع كل منا أن يدلى بدلوه من منطلق وطنى، فمصر للمصريين متفقين ومختلفين، ولكن الحكم يقع فى نفس الخطأ الذى سبق وأن وقع فيه الاشتراكيون، حينما اقتنعوا بحتمية الحل الاشتراكى وزوال الرأسمالية، فانهارت الاشتراكية ونجحت الرأسمالية فى تجديد نفسها، ولم تزل برغم عدم قدرتها على التخلص من الاستغلال وتقديم حلول عادلة لمشاكل البشرية حتى الآن، 
 
حيث يرى الحكم أنه لا طريق لحل أزمتنا الاقتصادية سوى الطريق الذى يسير فيه، وهو طريق متفق عليه مع صندوق النقد الدولى والبنك الدولي.. طريق يحمل الطبقات الفقيرة والمتوسطة وحدها كل الأزمة وكل ثمن الإصلاح، فيأخذون منهم كل شىء ويعايرونهم بالدعم متخلصين منه رويدا رويدا، بينما هم لم يصنعوا الأزمة ولكنهم وقودها، فهم لا يملكون ثروات كونوها من فساد أو امتيازات خاصة، حيث تم تجميد أجور العاملين بالدولة، بينما يستغل القطاع الخاص العاملين فيه بأجور بخسة، مستفيدا من البطالة القائمة ويشغلهم ساعات عمل أكثر مما يحدده قانون العمل دون أجر، لتتراكم الثروة فى أيدى أصحاب الأعمال فيزدادون غنى، بينما يزداد العاملون لديهم فقرا، 
 
ناهيك عن عدم جدية تطبيق الحد الأقصى للدخول على الإدارة العليا الحكومية، وضعف المعاشات وضعف دخول العمالة غير المنظمة وغير المنتظمة، ولا تضمن الدولة توافر الشاى والسكر والأرز والزيت والبطاطس والفول بسعر يتناسب ودخول محدودى الدخل بشكل دائم، ولا تفرض الحكومة على الأغنياء ضرائب دخل تصاعدية تأخذ من كل حسب مقدرته، ولا ضريبة ثروة 10 % أو أكثر لمرة واحدة فقط، على أصحاب الثروات الكبيرة، وتم إلغاء ضريبة الـ5 % على دخول الأغنياء، ولا تفرض ضريبة على مظاهر الصرف الترفى مثل الصرف على أفراحهم وحفلاتهم وأنواع سياراتهم الفخيمة، والتى تستهلك بنزينا أكثر ولا ما يصرفونه على تربية كلابهم وقططهم، والتى تسمح الدولة باستيراد مستلزماتهم من الخارج بالدولار، ولا ضرائب على نوع السكن الفخم الذى يقيمون به، وتؤجل تطبيق ضريبة أرباح البورصة عليهم كل فترة رغم أن معظمهم كون ثرواته من الحصول على أراضى الدولة دون وجه حق، واستغلال النفوذ والتزاوج بين رأس المال والسلطة، فتبدو أنها تعطيهم كل شىء وتدعمهم بما تتغاضى عمدا عن تحصيله منهم، وتتنازل عن حق الدولة لهم بعدم فرض تلك الضرائب عليهم وهم لا يقومون بدورهم الاجتماعى تجاه مجتمعهم، فتلك ليست عدالة فى تحميل أعباء الأزمة.
 
كلنا مصريون ولا بد أن يتحمل القادرون نصيبهم فى أعباء الإصلاح الاقتصادى رغم مطالبة كريستين لاجارد مديرة صندوق النقد الدولى، بتغيير قانون الضرائب، كى يتحمل القادرون نصيبا فى حل أزمة بلادهم والحكومة ترفض الالتزام، بذلك قناعة منها بأن تركها حق الدولة فى الضرائب للأغنياء، أفضل من أخذها منهم وضخها فى الموازنة العامة للدولة لتخفيف الأعباء عن محدودى الدخل لتمكينهم من توسيع مشاريعهم وإقامة الجديد لينتجوا أكثر، ويصدروا أكثر ويشغلوا عمالة أكثر فتقل البطالة وتتحسن الدخول وتقل الأسعار، وهو ما لم يتحقق على أرض الواقع منذ اتبع مبارك تلك السياسات، فجدوى السياسات المطبقة تقاس بنتائجها على أرض الواقع، ووجود رضاء اجتماعى ومجتمعى عن نتائجها فالسوق المصرية ليست سوقا تنافسية، بل هى سوق احتكارية مشوهة ولا يوجد الاهتمام الكافى بزيادة الإنتاج الزراعى والصناعى ولا بتحسين جودة التعليم والخدمات الصحية فبناء الإنسان أهم كثيرا من بناء الحجر.
 
وحرصا منا على الاستقرار الاجتماعى وعدم وجود قلاقل فى المجتمع ليست فى مصلحة الوطن والمواطن والحكم، ينتظرها أعداؤنا لتأجيجها لتقسيم مصر العقبة الكبرى فى إقامة الشرق الأوسط الجديد، نأمل مراجعة تلك السياسات والبعد عن اختبار صبر المصريين، الذى أوشك على النفاذ وعدم تحميل الفقراء المزيد؛ لأنه لم يعد لديهم ما يدفعونه ولا الطبقة الوسطى إلا بقدر مناسب لمقدرتهم على التحمل، فقد تحملت الكثير، وتحميل القادرين كل حسب مقدرته، فلا بد أن يتحمل الجميع ثمن حل أزمة البلاد لأن مصر بلدنا جميعا والعدالة الاجتماعية صمام أمننا القومى قبل أن نصل إلى مرحلة نخسر فيها كل شىء.
 
 كامل السيد - البوابة


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق