بحث في هذه المدونة

الأربعاء، 20 ديسمبر 2017

«اللى ما ينشغلش بعد التقاعد ممكن يموت»

مثل الملايين ممن يخرجون على المعاش كل يوم، وصل عم قدرى وعم أمين، إلى سن التقاعد، لكنهما قررا التخلص من عقدة المسمى الوظيفى، وانطلقا إلى فضاءات أكثر رحابة. استعاد كلا الرجلين من جديد هواية اندفنت قبل عشرات السنوات بعد الـ60، أما قدرى فيهوى شغل الأركت اليدوى وأما أمين فهو بارع بالمشغولات الجلدية، قرر كل منهما أن يحقق انتصاره الخاص على حالة الجمود التى طالت حياتهما عقب المعاش، كل على طريقته، لتتحول أحلام الشباب من ماضٍ إلى أمر واقع يشغل وقتهما ويدر عليهما الربح.

البداية كانت على «السطوح» ويرويها قدرى قائلا: «جبت منشار الأركت والخشب وبدأت أصمم البراويز ونماذج المرايات واللوحات وعربيات الخشب» الموهبة التى تعود لخمسين سنة مضت مثلت مرحلة المعاش انتعاشة لها «اشتريت أول منشار كهربائى عام 1982، لكن ماستعملتهوش غير دلوقتى، كنت أول واحد يشتريه فى طنطا وكان سعره 180 جنيه هو اللى شغال بيه لحد النهارده»، تخرج فى كلية التجارة عام 1974 وعمل مدير تفتيش فى الشئون الاجتماعية بطنطا، خرج على المعاش عام 2009، وقرر أن يخلق لنفسه مناخاً جديداً يساعده على الحياة «أول حاجة عملتها مقلمة خشب لأولادى وميداليات وتعليقات مفاتيح».

«قدرى» كان يهدى 90% من شغله للأقارب والأصدقاء و10% فقط للبيع، يضيف: «مكنتش أحب أشوف حاجة ليا فى بيت حد من إخواتى مكسورة أو متبهدلة ممكن أتخانق معاهم»، لديه من الأبناء ثلاثة: عمر ماجستير قانون، وسالى مهندسة زراعية، وسمر طالبة فى كلية فنون جميلة «سألتها لو عندهم قسم للشغل ده أشتغل معاها بحب أعمل أى حاجة فنية»، لم يلجأ لتلقى كورسات تعليم بل اعتمد على خبرته الحياتية «التعليم أساسه الحب والشغف»، ويتمنى أن يرث هوايته أحد أبنائه من كثرة حبه لها «بحاول أعلّم بنتى الصغيرة عشان تفضل الهواية على طول فى بيتنا».

أصبح له زبائن يثقون فى شغله، لكنه يشتكى من غلاء أسعار الخشب التى قد لا تناسب الجميع: «بقول للزبون يشترى الخشب وأنا عليّا الشغل لأن اللوحة الواحدة تمنها بيوصل لـ230 جنيه فبيتخض»، شارك مؤخراً فى موقع لتسويق منتجاته عبر الإنترنت «ميهمنيش المكسب على قد ما نفسى أفضل على طول بشتغل ما اقعدش فاضى»، موضحاً أن صاحب المعاش بدون هوايته ستنقلب حياته لجحيم بسبب الوحدة «الحرفة بعد المعاش نعمة كبيرة»، تشجعه زوجته وأبناؤه «نفسهم المشروع يكبر».

عم أمين ودع وظيفته فى الحكومة كمراقب فى مكافحة الأوبئة، فى مارس الماضى، ليعود إلى أحضان موهبته القديمة وهى تفصيل الحقائب والمحافظ الجلدية، موهبة صقلها بحصوله على كورس لمدة شهر ونصف: «كنت بعمل حاجات فى الأول شكلها وحش بدأت أتعلم صح لحد ما اتحسنت»، مزيد من المصنوعات والتنوع أدخله فى تحد مع نفسه لاحتراف المهنة وتحويلها لباب رزق إضافى «بحس بسعادة رهيبة وأنا قاعد بشتغل وبسأل نفسى لو مكنتش بحب حاجة كنت هعمل إيه بعد المعاش؟»،

 يستيقظ الرجل السكندرى يومياً بحماس يدخل لغرفته التى خصصها لعمله الجديد يبدأ فى رسم الأشكال على ورق قبل تنفيذها «بنام ساعة بعد الضهر وأصحى أشتغل لحد بالليل، بستثمر وقتى ومبسوط جداً رغم شعورى بالتعب أحياناً»، شارك فى معرضين الشهر الماضى بالتعاون مع جمعية أهلية لتنمية الصناعات اليدوية فى المركز الأولمبى بسموحة «استفتحت بـ40 جنيه لبوك للعملات الفضية وشنطة بـ200 جنيه مبعتش كتير بس اتبسطت جداً حاسس أنى لسه عايش والحياة لسه فيها كتير»، لا يتعدى ربحه 25% حيث يحرص على بيع منتجاته بسعر أقل من العادى نظراً للظروف الاقتصادية «مش عايز ربح على قد ما أنا نفسى أنتشر وأعمل شعبية فى المجال»، له من الأبناء اثنان؛ الأكبر أحمد بكالوريوس نظم ومعلومات، وأميرة خريجة آداب لغة عربية، يساعدانه فى الترويج لمنتجاته وشراء الأدوات اللازمة: «كانوا شايلين همى بعد المعاش لأنى مش متعود على القعدة»، حلمه أن يكون صاحب محل كبير لعرض منتجاته: «الطموح مش بالسن أنا حاسس أنى لسه فى بداية حياتى».

الوطن



 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق