بحث في هذه المدونة

الخميس، 16 نوفمبر 2017

التأمين الصحى.. ووعود سيادة الوزير!!

د. محمد صلاح البدرى - الوطن


فى لقاء تليفزيونى -أحادى الطرف كالمعتاد- مع الإعلامى عمرو الليثى منذ ما يقرب من عامين، صرح السيد الأستاذ الدكتور وزير الصحة بأن قانون التأمين الصحى الجديد على وشك الصدور فى غضون أيام، وأنه سيقضى على كل مشاكل الرعاية الصحية فى مصر بأكملها، كانت تلك التصريحات بجانب بعض التصريحات الأخرى بشأن علاقته بنقابة الأطباء وانعدام القدرة على مساءلته كوزير سوى من البرلمان! 

وبمعزل عن كل ما صرح به وقتها، فالواقع أن تلك الأيام قد امتدت لعامين كاملين فى انتظار ذلك القانون الخارق، وتصاعد الأمل فى نفوس العامة -بل والأطباء أنفسهم- أن يحسم القانون الجديد كل المشاكل المعلقة فى القطاع الصحى، حتى ظهر للنور أخيراً، بعد أن تم تقديمه للبرلمان لمناقشته وإقراره، واكتشفنا جميعاً أننا لا ينبغى أن نثق كثيراً فى تصريحات سيادته، فالقانون لا يحل مشكلة، بل ربما يزيد الأمر تعقيداً!! 

فى البداية ينبغى أن أؤكد أن التأمين الصحى الاجتماعى الشامل، الذى يوفر مظلة علاج كريم لكل المصريين، ومجال عمل محترم لكافة أعضاء الفريق الطبى، هو حلم للشعب المصرى كله، وهدف سعى ويسعى إليه الأطباء كلهم منذ أن أدركوا حقيقة وجودهم، فلا اعتراض على وجود تلك المظلة الصحية لكل مواطن يعيش على أرض هذا الوطن بكل تأكيد، ولكن القانون المقترح يحتوى على الكثير من المشاكل التى تجعل تطبيقه شبه مستحيل، ويجعل الخدمة من خلاله -إن طبق- غير مرضية لأحد، 

لقد نص مشروع القانون على رفع نسبة المساهمات إلى الضعف تقريباً، وهذا منطقى، ولكنه ألغى الحد الأقصى للمساهمات الذى نصت عليه نسخ سابقة من هذا المشروع، ما يجعل بعض الخدمات قد صارت حكراً على فئات بعينها، كما أنه ألزم أصحاب المعاشات بدفع اشتراك للزوجة والأبناء المعالين، بدلاً من تحمل الدولة لهم فى نسخ سابقة!! 

كما أقر القانون أن تقديم الخدمة عن طريق التعاقد مع المستشفيات العامة والخاصة التى حصلت على الاعتماد من هيئة الجودة والاعتماد المصرية، ولكن القانون قد أغفل مصير المستشفيات العامة التى ستفشل فى الحصول على تلك الشهادة؛ ما هو مصيرها؟! هل سيتم إغلاقها فى ظل المظلة المتكاملة التى يفترض أن تكون قد كفلت كل المواطنين؟ هل ستطرح للشراكة مع القطاع الخاص لعدم قدرة الموازنة العامة للدولة على الإنفاق على التطوير؟ الأمر السابق قد يفتح الباب لشبهة تعمد إفشال المستشفيات لصالح القطاع الخاص، وسيجعل الجزء الأكبر من الرعاية الصحية خارج السيطرة الحكومية، وهو أمر أعتقد أنه يمس الأمن القومى نفسه! 

ثم نأتى للنقطة الأكثر خطورة فى مشروع ذلك القانون؛ فقد نص المشروع المقدم أن الوالد ملزم بتحمل 0.75% من الأجر الشامل لاشتراك كل ابن من أبنائه، كما أنه يربط التقدم للدراسة بسداد أقساط التأمين الصحى، وهو ما يعتبر كارثياً!! 

فالتأمين الصحى الاجتماعى فى أغلب الدول تتكفل الدولة فيه بدفع اشتراكات الأطفال حتى سن 18 سنة؛ لأن صحة الطفل جزء أساسى من مسئولياتها، ربما أوافق البعض أن يكون اشتراك الطفلين الأول والثانى على الأقل على نفقة الدولة، ويتحمل الوالد الاشتراك بدءاً من الطفل الثالث، أما أن يتحمل العائل اشتراك الأبناء كلهم، وارتباط التأمين بالتقدم فى الدراسة، فسيجعلنا نواجه عيباً دستورياً خطيراً، ويجعل الأطفال فى خطر شديد نتيجة التسرب من التعليم!! 

لن أتحدث عن استحالة استدامة الخدمة من خلال ذلك القانون فى حالة اختلاف أسعار الأدوية والمستلزمات الطبية، التى يزداد سعرها باضطراد فى الفترة الأخيرة، ولن أتحدث عن عدم وجود المستشفيات الكافية لتقديم الخدمة، وأن محافظة بورسعيد التى اختارها سيادة الوزير لتكون النموذج الأول لتطبيق القانون لا تصلح لتكون مثالاً لباقى المحافظات؛ لاختلاف عدد السكان وعدد المستشفيات المناسبة! 

لقد حمل القانون الجديد العديد من الثغرات القاتلة، كانت تلك هى بعضها، والبقية ربما تحتاج إلى أضعاف تلك المساحة لعرضها، وعجز القانون «الخارق» أن يقدم بديلاً مناسباً للمواطن البسيط يجعله أقرب لفرقعة إعلامية شكلية فقط، ويبقى فى النهاية السؤال الذى لا يجد إجابة لدى أحد: هل سيتم إقرار ذلك القانون بهذه الصورة؟ هل انتظرنا كل هذه الفترة لنرى قانوناً بهذا الشكل؟ الإجابة ربما نجدها لدى مجلس النواب، الذى أرجو أن يقوم بوظيفته الحقيقية، ويحمى أبناء هذا الوطن من المزيد من وعود سيادة الوزير.
استقيموا يرحمكم الله!





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق