بحث في هذه المدونة

الخميس، 28 سبتمبر 2017

نظام المعاشات أسوأ من الشرف مفيش

عندما كنت رئيسًا للقسم الاقتصادى فى فترة التسعينيات، جرى حوار ودى قصير بينى وبين المرحوم محمود عبدالعزيز رئيس البنك الأهلى ورئيس اتحاد البنوك المصرية والعربية بعد رفض الدكتور عاطف عبيد رئيس الوزراء ـ آنذاك ـ التمديد له وإحالته إلى المعاش.

 قال لى: أنا معاشى لا يتجاوز 1500 جنيه ولولا أن مرتبى كان كويس جدًا مكنتش أعرف أعيش.. نعم مرتبه ودخله كان بالملايين فلم يكن بحاجة إلى المعاش وسنينه. أما أصحاب المرتبات الضعيفة والمتدنية فإن الشريف منهم يتسول صدقات الحكومة السنوية ويحوت من الجوع بعد احالته للمعاش. والفاسد يتقاضى معاشه «كمالة حق» والبحر يحب الزيادة ـ نظام المعاشات لا يراعى وجود ابناء فى سن الدراسة أو المرض أو العجز أو الشيخوخة.

بينما أنظمة المعاشات فى كل دول العالم تكفل لأصحابها تقاضى المعاش بقيمة آخر مرتب. وفى يوم 16 من سبتمبر الجارى طلع علينا السيد عمر حسن بتصريحات لجريدة أخبار اليوم وكأنها الفتح المبين والانجاز الذى يصل إلى حد الاعجاز بأن معاشات الموظفين لن تقل عن 40٪ من الأجر.. فلوس المعاشات فى جيب الحكومة وهى المستفيد الوحيد منها فطبقًا لكلام سى عمر أن أموال التأمينات تصل فى جملتها إلى 705 مليارات جنيه منها 339 مليارًا يتم استثمارها فى صكوك غير متداولة بفائدة 9٪. و144 مليارًا فى أذون الخزانة بفائدة 14.4٪، بينما يتم استثمار 56 مليار جنيه بفائدة 11٪ فى بنك الاستثمار وهى كلها أوعية حكومية أى أن الحكومة تستولى على 76.5٪ من أموال التأمينات والتى تساوى 539 مليار جنيه.

وإذا ما طرحنا هذا المبلغ من الاجمالى (705 مليارات) يتبقى مبلغ 166 مليار جنيه لم يذكر لنا مستشار وزيرة التضامن أين هذا المبلغ ولدى من وفيمَ ينفق. وثمة ملاحظة أخرى تتعلق بعوائد المبالغ المستثمرة حيث تبلغ نحو 57 مليارًا و406 ملايين جنيه سنويًا وهو عائد لا بأس به فكيف لأصحاب المعاشات البالغ عددهم نحو تسعة ملايين أو أكثر أن يتقاضوا الفتات وأين يذهب باقى المبلغ؟.

هذه العوائد تضمن لأصحاب المعاشات دخلاً لا يقل عما كان يتقاضونه من مرتب. الموظف الفاسد الذى يسرق هو اكثر ذكاء وحيطة واستشرافًا للمستقبل من الموظف الشريف لأنه يؤمِّن مستقبله وأولاده ويعلم أنه لو لم يقتل ضميره وتمسك بشرفه فإن مآله الجوع ومآل أولاده التشرد بسبب المعاشات المتدنية.

 نظام المعاشات فى مصر أحد أهم أسباب الفساد ويحرض على السرقة. الموظف يتحول إلى لص لأن المستقبل مع الحكومة ومعاشاتها غير مضمون ولا يضمن توفير العيش الحاف. الموظف الفاسد مال الدولة والناس فى جيبه وأموال التأمينات فى ذمة الحكومة وهى أوسع من رأس الرجاء الصالح.

ملك الموت أرحم على صاحب المعاش من غادة والى لأنه يموت كل يوم. فى مصر الشبعان لا يصدق الجائع والشريف يشقى بشرفه ..وأسوأ من الشرف مفيش.

 جمال يونس - الوفد



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق