بحث في هذه المدونة

السبت، 6 مايو 2017

معاش المدني ومعاش العسكري.. لا يستويان

في أحد اللقاءات الأخيرة لي مع النقابي اليساري فتح الله محروس قبل وفاته بأشهر، وأثناء حديثنا عن الانشقاقات داخل الأسر المصرية، ما بين مناصر للنظام ورافض له، قال لي: «دا حتى أخويا شايفني مش وطني لإني بعارض السيسي».  سألته: «طيب هو مش متضايق من الحاجات اللي بتغلى والمرتبات والمعاشات اللي ثابتة؟» فكان رده: «ما هو معاشه كويس، أصله كان في الجيش!»
جميعنا يلاحظ الفجوة الواسعة بين ظروف معيشة من هم في سن المعاش ممن كانوا يعملون في وظيفة مدنية، وبين مجايليهم من العسكريين السابقين، حتى لو كانوا في الصفوف الدنيا مثل المتطوعين بالجيش. حتى وإن لم نتعمق في التفاصيل، فنحن نعرف جيدًا من جيران أو أقارب خدموا بالجيش أنهم يتقاضون مكافآت نهاية خدمة مجزية، وأن معاشاتهم جيدة كذلك.

يظل هذا صحيحًا، بل وستتسع هذه الفجوة بشدة في السنوات القادمة بعد فك ربط الحد الأقصى المقرر للعسكريين، والذي تُحسب بناء عليه معاشات العاملين، بنظيره للمدنيين. فقد حلت المادة 1 قانون 196 لسنة 2014، والمعدل لقانون 51 لسنة 1984، محل الفقرتين الثانية والثالثة من المادة 2 قانون 90 لسنة 1975، فأصبح بمقتضاها «يتحدد الحدان الأدنى والأقصى السنوي لإجمالي الراتب والتعويضات بقيمة كل منهما في 1-7-2014، ويتم زيادتهما سنويًا في أول يوليو من كل عام بنسبة 10%، منسوبة إلى كل منهما في يونيو السابق.» وهذا بعد أن كانت كل قوانين الزيادة في السابق تنص على ألا يتجاوز الحد الاقصى لمعاش العسكريين الحد الأقصى الوارد في قانون 79 لسنة 1975 للمدنيين.

فك الارتباط
 
في عام 2014، الذي وُضعت فيه قاعدة لتحديد الحدين الأدنى والأقصى، كانت هناك فروق كبيرة بين معاشات العسكريين والمدنيين، نتيجة الزيادات للعسكريين في السنوات السابقة، واستثناء بعض البدلات من الحد الأقصى المقرَّر سابقًا للمدنيين – وقت ارتباط الحدين الأقصى للمدنيين والعسكريين ببعض- مثل العلاوات غير المضمومة للأجر الأساسي، وفي ظل المادة 19 من قانون 51 لسنة 1984، والتي بمقتضاها «لا يدخل في حساب الحد الأقصى للمعاش ما يستحقه المنتفع من معاش إضافي، أو التعويض التقاعدي والمكافأة الشهرية المقررة قانونًا للأوسمة والأنواط». كما أن الحد الأقصى لبدل طبيعة العمل وحده وصل في عام 2015 لـ 250% من إجمالي الأجر المتغير. وسيُفتح المجال لزيادات آخرى في ظل المادة 123 من قانون 90 لسنة 1975، وبمفادها «تزداد المعاشات في ضوء الأسعار القياسية وذلك بنسبة يحددها قرار من رئيس الجمهورية بناء على اقتراح وزير الحربية».

أما ضآلة معاشات المدنيين فلها أسباب كثيرة كما سنرى، منها، وبشكل أساسي، الحد الأدنى لأجر الاشتراك التأميني، والذي يستخدمه أصحاب الأعمال الخاصة للتقليل مما يدفعونه، كحصة التأمين على العاملين لديهم، حيث يؤمَّن عليهم وفق الحد الأدنى لأجر المعاش الأساسي الذي حدده قرار وزير التأمينات رقم 6 لسنة 2013 بـ 291 جنيهًا فقط، بعد أن كان قبلها مباشرة، في عام 2010، 123 جنيهًا. وبما أن المعاش المستحق لا يزيد بأي شكل من الأشكال عن 80% من الأجر الأخير، الذي خصمت على أساسه نسبة التأمينات، فنستطيع تصور مدى ضآلة المعاشات!

ومؤخرًا نصت المادة 4 من قانون 60 لسنة 2016، على تعديل المادة 5 بند ط، فقرة أخيرة من قانون 79 لسنة 1975، لتنص على أنه «في جميع الأحوال يتعين ألا يقل أجر الاشتراك التأميني [ويُقصد به غالبًا الأجران الأساسي والمتغير معًا] عن 400 جنيه شهريًا ويزداد هذا الحد بنسبة 25% سنويًا لمدة خمس سنوات ثم تعدل الزيادة إلى 10% سنويًا، على ألا يقل أجر الاشتراك التأميني عن الحد الأدنى لأجر الاشتراك التأميني وفقًا لقانون العمل».

وفي سياق الحديث عن المعاشات التي لم تعد تلبي الاحتياجات الأساسية، نجد من المهم الإشارة لمن لا حق لهم أصلًا في المعاش. ففي أواخر عام 2013 قدّرت وزارة التخطيط أن 71% من المشتغلين يعملون بالقطاع الخاص، وأن 75% من المشتغلين في القطاع الخاص يعملون بالقطاع غير المنظم، كما أن 58.8% فقط من المشتغلين بأجر في مصر مشتركون في نظم التأمينات الاجتماعية.

أما بخصوص المستحقين للمعاش، فقد رأيت أنه من المهم فهم أسباب هذا الفارق بين مواطنَيْن حصلا على نفس المؤهلات الدراسية، وطوال مدة خدمتهم ظل اشتراك التأمينات يُقتطع من أجورهم، حتى وصلا للسن الذي وجبت فيه الراحة، إلا أننا نجد أحدهما مرتاحًا نسبيًا والآخر لا يكفي معاشه الحد الأدنى من احتياجاته.

كنت أعرف أن هذا شديد الصعوبة، وقد يكون مستحيلًا في ظل عدم إتاحة أي معلومات أو إحصائيات عن أجور العاملين بالجيش، أو حتى معاشاتهم، بالإضافة لأن محاولة معرفة معاشات بعض من كانوا يعملون بالجيش لن تكون موثوقة لعدم استنادها لأي مصدر يمكن ذكره، كما أنه لا يمكن أخذ مثال أو مثالين وتعميمهما.

لذا اخترت النظر في قوانين المعاشات لكل من المدنيين والعسكريين، رغم صعوبة هذا، والوقت الطويل الذي عملت فيه على جمعها وقراءتها، وكذلك كل القوانين المعدلة لكل منها والتي بلغت العشرات، كما توجَّبَ النظر إلى تاريخ الزيادات والإعانات المضافة للمعاشات منذ صدور كلا القانونين الأساسيين للمدنيين 79 لسنة 1975، والعسكريين بالجيش 90 لعام 1975، وحتى الآن، ومعرفة الفترات الزمنية التي كانت المعاشات لكل منهما تزيد بنفس النسبة، ومتى وكيف بدأ التفاوت في هذه الزيادات.

ولمعرفة سبب التسارع الهائل لمعاشات العسكريين في مقابل التباطؤ الشديد لدى المدنيين، اضطررت لعدة اختيارات، أولها كان حصر المقارنة في قطاع من المدنيين، هم الخاضعون للقانون 79 لسنة 1975 فقط – رغم معرفتي بأنهم لا يمثلون جميع المشتغلين في مصر – وفي قطاع من العسكريين، هم الخاضعون للقانون 90 لسنة 1975 دون غيرهم.

وكان الاختيار الثاني هو التركيز على أربعة عوامل هي: كم يدفع كل من المدنيين والعسكريين كنسبة من أجورهم، حتى استحقاقهم المعاش؟ وكيف يُحسب معاش كل منهم؟ وما نوع المكافآت التي يتقاضاها كل منهم وقت الخروج للمعاش؟ وما هي نسبة زياداتها؟
وحتى نفهم على من ينطبق كلٌ من القانونين نبدأ أولًا بنطاق سريان كل منهما.

نصت المادة الأولى من قانون 90 لسنة 1975 على أن أحكام هذا القانون تسري على العاملين بأجر في القوات المسلحة، والصناع العسكريين من خريجي المدارس الفنية العسكرية. أما قانون 79 لسنة 1975 فقد نصت المادة الثانية منه على أن أحكام هذا القانون تسري على العاملين المدنيين بالجهاز الإداري للدولة والهيئات العامة والمؤسسات العامة والوحدات الاقتصادية التابعة لأي من هذه الجهات وغيرها من الوحدات الاقتصادية بالقطاع العام. بالإضافة للعاملين الخاضعين لأحكام قانون العمل.

كما تسرى أحكام تأمين إصابات العمل على العاملين الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة، والمتدرجين والتلاميذ الصناعيين والطلاب المشتغلين فى مشروعات التشغيل الصيفى والمكلَّفين بالخدمة العامة.

كيف تُحسب المدة؟
نصت المادة 21 من قانون 79 لسنة 1975، على أن مدة اشتراك المؤمن عليه فى التأمين هى المدد التي يدفع عنها المؤمَّن عليه اشتراكًا، سواء كانت مدد العمل أو المدد التي يطلب شراءها بشروط، وكذلك مدد البعثات العلمية الرسمية التى تلى التعليم الجامعى أو العالى الجائز حسابها ضمن مدة الخدمة، أو التى روعيت فى تقدير الأجر.

وطبقًا للمادة 22 من نفس القانون تضاف مدة افتراضية مقدارها ثلاث سنوات لمدة الاشتراك فى التأمين لتقدير المعاش المستحق، بشرط ألا تزيد على المدة الباقية لبلوغ المؤمن عليه سن التقاعد، وذلك إذا قل المعـاش بعد إضافة هذه المدة عن 50% مـن الأجـر الذي سُوِّي على أساسه رفع هذا القدر، ولا تضاف هذه المدة إلا لمن انتهت خدمته بالعجز الكامل أو العجز الجزئي في حال عدم ثبوت وجود عمل آخر له لدى صاحب العمل، وكذلك في حال وفاة المؤمن عليه أو ثبوت عجزه كاملًا خلال سنة من انتهاء خدمته، وبشروط عدم تجاوز سن المؤمن عليه لسن التقاعد، وعدم صرفه القيمة النقدية لتعويض الدفعة الواحدة، وذلك أيًا ما كانت مدة خدمته.

وفي محافظات سوهاج وقنا وأسوان والبحر الأحمر ومطروح والوادي الجديد وسيناء ووادي النطرون والواحات البحرية، أضيفت مدة خدمة اعتبارية لموظفي الدولة والعاملين بالوحدات الاقتصادية للقطاع العام والهيئات العامة ومن ينطبق عليهم قانون 90 لسنة 1975 من العاملين بالقوات المسلحة، قدرها ربع مدة الخدمة الفعلية، ودون التزامهم بسداد أية اشتراكات عنها، وذلك طبقًا لقانون 90 لسنة 1961، قرار رئيس الجمهورية المتحدة رقم 132 لسنة 1963، وقانون 30 لسنة 1978، وقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1243 لسنة 1982.

قانون 90 لسنة 1975: نصت المادة 4 على أن مدد الخدمة التي تعطي الحق في المعاش أو المكافأة هي:
  • مدة الخدمة التي تُقضى في القوات المسلحة ويُقتطع عنها احتياطي المعاش.
  • مدة الخدمة التي قُضيت في القوات المسلحة وسبق أداء احتياطي معاش أو مبالغ ادخار عنها.
  • مدة الخدمة التي تُقضى في الاستيداع بما لا يجاوز ثلاث سنوات متصلة، وإذا زادت على ذلك لا تحسب الزيادة.
  • مدد الخدمة التي أديت في القوات المسلحة بدرجة ضابط صف أو جندي من ذوي الرواتب العالية من تاريخ الحصول على هذه الرواتب، ولم يسبق سداد احتياطي معاش عنها أو مبالغ ادخار.
  • الضمائم والمدد الإضافية المنصوص عليها في المادتين 8 و9.
وهكذا، ووصولًا للبند ي- والمعُدّل بالبند ي مادة 4، بالقانون رقم 31 لسنة 1992 والذي يضيف لمدد الخدمة التي تعطي الحق في المعاش «المدة التي قضاها الطالب بنجاح في الكليات والمعاهد العسكرية التي يتخرج منها، والمعدَّة لتخريج الضباط، والمدارس ومراكز التدريب بالقوات المسلحة المعدَّة لتخريج ذوي الرواتب العالية ومدة التجنيد التي قضاها المجند في حال قبول تطوعه أو تجديد خدمته بالراتب العالي أو تعيينه بالقوات المسلحة بشرط أن تكون المدتان متصلتين.»

كما تعددت الضمائم في المادة 8 من قانون 90 بين: «أ- مدة مساوية لمدة الخدمة في زمن الحرب – ب- مدة لا تزيد عن مدة الخدمة الفعلية في المناطق التي يصدر بتحديدها قرار رئيس الجمهورية – ج- مدة مساوية لمدة الخدمة التي تُقضى في الأسر.»
ليس هذا فقط، بل ونصت على المدد الإضافية المادة 9 من قانون 90، والمعدلة بالمادة 4 قانون 51 لسنة 1984، ومادة 9 قانون 31 لسنة 1992، ومادة 3 قانون 73 لسنة 2013، فالمدد الإضافية التالية تُضم إلى مدة الخدمة الفعلية، عند حساب المعاش والمكافأة:
  • مدة تعادل نصف المدة الفعلية بالنسبة للطيارين والملاحين الجويين وأطقم الطائرات والهابطين بالمظلات، وأفراد الضفادع البشرية والصاعقة وأطقم الغواصات، وقوات الدفاع الجوي وقوات حرس الحدود. ومضاعفة المدة بالنسبة للطيارين والملاحين الجويين وأطقم الطائرات في حال انتهاء خدمتهم بقوة القانون أو الاستشهاد أو الوفاة، أو لعدم اللياقة الطبية إن كان ذلك بسبب الخدمة.
  • مدة تعادل ربع مدة الخدمة الفعلية بالنسبة للمهندسين والفنيين الذين يتقاضون بدل طيران من غير المنصوص عليهم في البند (أ)، وفي حالة استحقاق هؤلاء الأفراد للضمائم طبقًا لنص مادة 8، فلا يضاف إليها إلا نصف المدد المنصوص عليها في البندين «أ» و«ب» إلى أن تبلغ مدة خدمتهم 28.8 سنة.
مما سبق يتضح لنا أنه لا تُحتسب أي مدد لمعاش المدني، إلا المدة الاعتبارية التي تضاف للعاملين في الحكومة في محافظات بعينها، من المدنيين والعسكريين على السواء، والمدد التي دفع عنها العامل الاشتراك إذا خرج للمعاش، سواء كان مبكرًا أو في سن التقاعد. 
بينما تضاف لمعظم العاملين بالقانون 90، أي العسكريين، مدة تساوي نصف المدد التي دفعوا عنها اشتراكات، وربع المدة بالنسبة للمهندسين والفنيين الذين يتقاضون بدل الطيران، وتتضاعف المدد المضافة للطيارين وأطقم الطائرات والملاحين في حالات الاستشهاد والوفاة، أو في حالة إنهاء الخدمة لعدم اللياقة الطبية بسبب الخدمة، بالإضافة لضم مدة لا تزيد عن المدة في حالة الحرب أو الأسر أو المدة الفعلية في المناطق التي يصدر بشأنها قرار رئيس الجمهورية. في حالة الاستشهاد أو الأسر، تُضم للعسكريين مدة تساوي المدة الفعلية، وتضاف نصف المدد المنصوص عليها في المادة 9.

مما يعني أنه إذا توفي المدني أو أصيب بعجز كلي أو جزئي أدى لفقد عمله، وحتى لو كانت الوفاة أو الإصابة بسبب الخدمة، لا تضم له إلا ثلاث سنوات، وبشروط. بينما إذا استشهد العسكري أو أصيب بعجز كلي أو جزئي، فتحتسب له وفاة بسبب العمل، ويضاف له 125% لمدة خدمته، وتصل لـ 150% في حالة الطيارين وأطقم الطائرات والملاحين بدون شروط، هذا بخلاف المكافآت والمعاشات الإضافية.

وبعيدًا عن حالات الوفاة أو العجز وفترات الحرب، أو حتى المناطق التي يصدر بشأنها قرار رئيس الجمهورية والتي لا نعرف عنها شيئًا الآن، وبعيدًا عن المحافظات التي تضاف فيها مدد اعتبارية لكليهما، فإذا أخذنا مثالًا لمدني وعسكري دفع كل منهما اشتراكًا لمدة عشرين سنة، فلن تحسب للمدني بعدها أية مدد إضافية، بينما سيضاف للعسكري ما بين خمس وعشر سنوات، لتصبح مدة خدمته التي يُحسب عليها المعاش ما بين 25 سنة أو 30 سنة. بالإضافة لمدة الدراسة والتدريب التي تُحسب للعسكريين ولا تُحسب للمدنيين قبل 18 سنة.

فاطمة رمضان




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق