بحث في هذه المدونة

الجمعة، 7 أبريل 2017

من أصحاب التريليون إلى الحكومة

من البديهيات التى استقرت عليها النظم الديمقراطية فى جميع دول العالم على اختلاف طبيعة ومسميات الحكم بها، أن تتشارك السلطات «التنفيذية والتشريعية والقضائية» فى العمل معاً لتحقيق أكبر قدر من الرفاهية لشعوبها فى إطار الاحترام المتبادل للدور المنوط بكل منها فى الالتزام بتطبيق مواد الدستور الذى ارتضاه ووافق عليه وبإرادته كل شعب كعقد اجتماعى ملزم للجميع، والخروج عليه من أى سلطة بمثابة خروج على الإرادة الشعبية، كما تضمن هذه النظم كنوع من اتساع المشاركة الشعبية لكل فئة أن تعبر عن مصالحها بحرية كاملة، وأن تنظم القوانين كيفية هذه المشاركة وسبل التعبير المختلفة فى هذا الاتجاه، وأن يتسع المجال العام لأن تؤدى هذه الفئات من خلال ممثليها من نقابات مهنية وعمالية واتحادات نوعية ومنظمات المجتمع المدنى - الذى أخذ تأثيرها يتزايد يوماً بعد الآخر فى مجرى العمل العام واتخاذ القرارات التى من شأنها تحقيق الرضا الشعبى وبما يدفع بمسيرة هذه المجتمعات نحو التقدم الآمن والأمان والاستقرار.
 
أما فى الدول التى لم تستقر فيها هذه البديهيات سابق الإشارة إليها، فمازالت فى معظم الأحيان السلطة التنفيذية بكل مؤسساتها - والواقع ماثل أمامنا لا يحتاج لمزيد من التوضيح - لها من النفوذ وطغيان الرأى وتطبيق ما تراه مناسباً من وجهة نظرها هو الاتجاه الصحيح الذى لا رجعة عنه وإن تعارض ذلك مع الدستور والقانون وباقى السلطات الأخرى، وهو ما يؤدى بالضرورة إلى اتساع دائرة الغضب وعدم الرضا الشعبى.

ومن الأمثلة الكثيرة الشاهدة على صدق ما نقول.. ذلك الموقف الغريب والمتعارض مع الحد الأدنى من الديمقراطية الذى اتخذته مختلف الحكومات ومن بينها بالطبع، بل فى المقدمة منها حكومة المهندس شريف إسماعيل من الحقوق المشروعة لما يزيد على 9 ملايين صاحب معاش، حتى إن رئيس الوزراء الذى يولى اهتمامه لوقائع وأحداث فردية قد لا يكون لها أدنى تأثير على مسيرة المجتمع وثقافته الاجتماعية، لم يجد ولو ساعة زمن منذ فبراير 2016 رغم تعدد المراسلات إليه من قبل الاتحاد العام لنقابات أصحاب المعاشات فى 7/2/2016، 21/2/2016، 1/5/2016، وآخرها بتاريخ 25/2/2017.. وكل ما يطلبه الاتحاد فى مراسلاته أن تتاح لممثليه المنتخبين بصورة شرعية، أن يعرضوا لوجهة نظرهم وأن يستمع إليهم حول كيفية استرداد ثرواتهم المدينة بها الحكومة بقوانين وقرارات إذعان بالمخالفة لمواد الدستور ( 17، 27) التى عبر عنها وبصدق شديد الكاتب والشاعر المبدع فاروق جويدة فى مقاله المتميز بتاريخ 10/2/2017، بأن فى قضية أصحاب المعاشات أكثر من جريمة.. أولها: أن بها امتهانًا لكرامة وحياة أناس قدموا أعمارهم للوطن وهو أغلى ما كان لديهم ولا يعقل أن تكون النهاية بهذا الظلم وهذا الجحود من الدولة - وثانيها: لابد أن يعرف الشعب كل الشعب أين ذهبت هذه الأموال «التى هى أموال التأمينات واشتراكات الملايين» حتى لو اقتضى الأمر تدخل جهات رقابية لكشف جوانب الفساد فى هذه المنظومة ومحاسبة المسئولين عنها بأثر رجعى. وثالثها: لا يعقل أن يكون هناك تريليون جنيه تائهة بين مؤسسات الدولة المصرية لا أحد يعرف عنها شيئاً ولابد أن تبحث الحكومة عن مصيرها وأين ذهبت؟! ويصف الكاتب الكبير ما حدث لأموال التأمينات بأنه يمثل جريمة متكاملة الأركان وأطرافها جميعاً موجودون.. وهى لا تسقط بالتقادم. 

إن الأحوال المعيشية لأصحاب المعاشات قد تخطت - على أرض الواقع - خط الفقر وهم الآن فى معظمهم فى عداد معدومى الدخل. وكما فشلت الجهود المضنية التى حاولها اتحاد المعاشات خلال الشهور الماضية بالتوجه إلى جميع المسئولين بالدولة دون استثناء واحد، فإن موقف مجلس النواب ولجانه النوعية المعنية «لجنتى القوى العاملة والتضامن الاجتماعى» لم يختلف كثيراً عن موقف رئيس مجلس الوزراء.. فقد تجاهلوا وبشكل يكاد يكون متعمداً كل المخاطبات التى حاولت أن تضعهم أمام مسئولياتهم الدستورية والقانونية والإنسانية فى مواجهة الظروف التى لا تستند إلى أى منطق وتفتقد إلى الحد الأدنى من حقوق الإنسان، فقد تآكلت بحكم الغلاء وارتفاع الأسعار وزيادة نسبة التضخم برغم معاشاتهم المتدنية من حيث الأصل بنسبة تقترب من 60 %، وليس من المقبول أن يطلب من صاحب معاش لا يزيد على 500 أو 600 أو حتى 1500 جنيه أن يلبى احتياجاته وأسرته من مستلزمات الحياة الضرورية لمجرد الاستمرار. 

وإذا ما كانت الأيام القليلة القادمة ستشهد تقدم الحكومة ببيانها إلى مجلس النواب عن مشروع الموازنة العامة للدولة عن العام المالى 2017 - 2018 لتبدأ لجان المجلس النوعية فى مناقشة بنوده قبل عرض نتائج هذه المناقشات على الجلسات العامة للتصويت عليه والعمل به اعتباراً من شهر يوليو القادم.. ومن المفترض وإن كان حتمياً أن يتضمن البيان، ما رصدته الحكومة من اعتمادات مالية تخص استرداد أصحاب المعاشات لأموالهم المدينة بها الحكومة. فإننا نعرض لبعض الحلول العاجلة التى لم تعد تحتمل أى تأجيل بعد أن نفد صبر أصحاب المعاشات وأصبحوا على فوهة بركان على وشك الانفجار فى أى وقت.. وعلى الدولة وأعضاء مجلس النواب أن يعلموا جميعاً بأن للصبر حدودًا. ولا يمكن أن تجرى المناقشات داخل المجلس أو خارجه دون مشاركة إيجابية من أصحاب المصلحة الذين هم أصحاب التريليون. 

وفى كل الأحوال لا تنازل عن إقرار الحد الأدنى للمعاشات والذى يتحتم ألا يقل عن الحد الأدنى للأجور رغم أن مبلغ (1200 جنيه) لم يعد هو المبلغ المناسب لضمان حد أدنى من الحياة الإنسانية والتى تشملها كل مفردات قوانين حقوق الإنسان فى العالم.
أن يحصل من تزيد معاشاتهم على الحد الأدنى المطلوب والمقرر بحكم المادة (27) من الدستور على علاوة أقدمية لا تقل عن 20 % مما يتقاضونه الآن من معاشات وبدون حد أقصى. 
 

الموافقة الفورية على صرف علاوة اجتماعية لا تقل عن 20 % وبحد أدنى 200 جنيه كعلاوة إنقاذ سريعة لضمان الاستمرار فى الحياة.
اعتماد حق أصحاب المعاشات فى صرف مكافأة لا تقل عن شهر فى المناسبات والأعياد مثلما يتمتع به جميع العاملين بالدولة. 

رفع عائد أموال التأمينات والمعاشات المدينة بها الحكومة التى تتآكل قيمتها الحقيقية مع ارتفاع الأسعار ونسبة التضخم التى وصلت إلى (31.7 %) فى شهر فبراير الماضى، وهى قابلة للزيادة خلال الشهور القادمة، وأن تسرى هذه الزيادة على جميع الأموال بعائد يتساوى مع ما هو قائم وينفذ فعلياً بالجهاز المصرفى وتقترض به الحكومة الحالية فى شكل أذون خزانة لسد عجز الموازنة العامة للدولة، وهو يتراوح ما بين 17 % و18 % وسعر عائد الودائع المختلفة للبنوك لا يقل عن 16 %، بينما مازال عائد أموال التأمينات والمعاشات لدى ذات الحكومة ولذات الهدف لا يتعدى فى حده الأقصى 10 %، ومجرد إصدار قانون برفع هذا العائد ليتواكب مع العوائد المربوطة بالجهاز المصرفى كفيل بتحقيق هذه الحلول العاجلة والمؤقتة مع بداية العام المالى (2017/2018)، حيث إن أصحاب المعاشات يتقاضون معاشاتهم من عوائد أموالهم وليس من ميزانية الدولة.
وإذا كانت هذه المطالب هى ما يجب أن يوليها أعضاء مجلس النواب اهتماماً خاصاً - كتكفير عن ذنوبهم التى اقترفوها فى حق دستورى لما يزيد على 9 ملايين صاحب معاش وأسرهم بما يقارب 40 % من الشعب المصرى، فعليهم ألا يخضعوا كما سبق لهم الخضوع لضغوط الحكومة فى العام الماضى. 

ولا شك أن حقوق أصحاب المعاشات لا تقف عند ما سبق عرضه.. وهو ما سنحاول أن نتناوله فى أعداد قادمة.. أما ما يجب الإشارة إليه والتأكيد عليه فهو ما تضمنه الخطاب الأخير الموجه لرئيس الوزراء (25 فبراير 2017) بأن أصحاب المعاشات مع نفاد صبرهم فهم فى طريقهم إلى الدعوة لمسيرة سلمية ونكرر «سلمية وصامتة» تأخذ طريقها إلى مجلس النواب ومجلس الوزراء تتبعها وقفة احتجاجية يصحبها إضراب عن الطعام والعلاج للمرة الثانية فى أقل من عام واحد.. مع تحميل جميع المسئولين ما قد يترتب على هذا الإجراء من نتائج أو تأثير على صحة كبار السن بحكم الأمراض الكثيرة التى أنهكت أجسادهم والرسالة لا تحتاج إلى مزيد من التفسير.. فالجوع كافر.. وللصبر 
 حدود

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق