بحث في هذه المدونة

الخميس، 13 أبريل 2017

محنة أصحــاب المعاشــات

تعيش الشريحة الأكبر من أصحاب المعاشات مأساة حقيقية، فقد وجدوا أنفسهم - بعد عشرات السنين من العمل- بحاجة إلى عمل إضافى يعينهم على الحياة، وبالطبع هم لا يقدرون لأن ظروفهم الصحية لا تسمح لهم بذلك، أو أن يمدوا يدهم لأبنائهم أو لأقاربهم لكى يتمكنوا من تلبية متطلبات المعيشة بسبب الغلاء الفاحش الذى «يطحنهم» كل يوم ، بينما لا يوفر لهم المعاش الشهرى حياة كريمة بعد عشرات السنين من العطاء، بالرغم من حصيلة أموال التأمينات التى تتجاوز 600 مليار بفوائدها، والتى لو أحسن استثمارها لتغيرت الأحوال المادية والمعيشية لأصحاب المعاشات..
وربما لا يعلم الكثيرون من أصحاب المعاشات، أن الخزانة العامة تتحمل 50% من قيمة المعاشات التى يتقاضونها، بقيمة 65 مليار جنيه، كما أن قيمة المعاشات وفقا لإحصاءات عام 2016-2017 تبلغ نحو 137 مليار جنيه، أى أنها تضاعفت 300 % بعد أن كانت تقدر بنحو 36،4 مليار جنيه فى عام 2009-2010، كما أن المعاش لا يقل عن 500 جنيه شهريا منذ يوليو 2016، ومع ذلك لايجد أصحاب المعاشات ما يكفيهم، وأصبحوا غير قادرين على تلبية احتياجاتهم المعيشية.
المشكلة مزمنة- كما يصفها سعيد الصباغ رئيس النقابة العامة للمعاشات، وعمرها سنوات طويلة، وبالرغم من صرف علاوة تقدر بنحو 10% فى 1 يوليو الماضي، إلا أن القيمة الشرائية لتلك العلاوة قد تراجعت بنسبة 20% بسبب ارتفاع معدلات التضخم.


الأزمة بالأرقام
والأرقام تتحدث عن نفسها، فهناك أكثر من مليون و644 ألف حالة تقدر معاشاتهم بنحو 500 جنيه، بالإضافة لنحو 4 ملايين تقل معاشاتهم عن 1200 جنيه، وفى ظل الأسواق التى أصبحت سداحا مداحا، بلا ضابط ولا رابط، ومع عشوائية الأسعار، وغياب الرقابة، لم يعد أصحاب المعاشات بعد 35 عاما أو أكثر من الكد والتعب- قادرين على تحمل أعباء الحياة، بالرغم من أنه قام على أكتافهم وبسواعدهم الاقتصاد المصري، فى شركات ومصانع تم بيع 164 منها من أصل 317 شركة، حتى تقلصت العمالة من 5 ملايين إلى 400 ألف فقط، بعد أن طالهم المعاش المبكر بفعل الخصخصة.

الغلاء الفاحش
ولكى نقترب أكثر من أزمة أصحاب المعاشات- كما يقول الصباغ- علينا أن نراجع الأرقام جديا، فنحو مليون و644 ألف حالة يمثلون25% من أصحاب المعاشات كانوا يتقاضون معاشا اقل من 500 جنيه، بينما تبلغ نسبة من يتقاضون معاشا يتراوح بين 500 وألف جنيه نحو 23% من أصحاب المعاشات، و17% يحصلون على معاش يتراوح بين 1000 و1500 جنيه، و12% يحصلون على معاش يتراوح بين 1500 و2000 جنيه، بينما يحصل 8% على معاش يتراوح بين 2000 و2500 جنيه، ويحصل 6% من أصحاب المعاشات على على معاش يتراوح بين 2500 و3000 جنيه، و4% يحصلون على ما بين 3000 و3500 جنيه، و1% يحصلون على معاش يتراوح بين 4500 و5000، فيما يحصل 93 ألفا من أصحاب المعاشات على معاش أكثر من 5 آلاف جنيه، ومن ثم فإن الشريحة الأكبر التى كانت تحصل على معاش أقل من 500 جنيه، تم رفعها لـ 500 جنيه، فهل يستطيع هؤلاء مواجهة أعباء الحياة المتزايدة فى ظل الغلاء الفاحش فى الأسعار؟ بينما تحصل بعض الفئات على معاش كريم بقوانين صدرت لهذا الغرض.

حد أدنى للمعاش
ولذلك، طالبنا فى النقابة العامة للمعاشات ، بتفعيل المادة 27 من الدستور، والتى تنص على حد أدنى للمعاش، أسوة بالحد الأدنى للراتب ( 1200 جنيه شهريا) والذى تم إقراره للعاملين بالحكومة، وكان يجب رفع الحد الأدنى للمعاشات، مع العلم أن الحد الأدنى يساوى 80% من قيمة الاشتراك التأميني، لاسيما أن نحو 11 مليونا يعملون بالقطاع الخاص، يقوم أصحاب الأعمال بالتأمين عليهم بقيمة 180 جنيها وقد تم تعديل الحد الأدنى لاشتراك الأجر التأمينى فى العلاوة الماضية إلى 400 جنيه، أما الحد الأقصى للاشتراك بالحكومة والقطاع العام فيبلغ 3652 للأجر الأساسى والمتغير، ونحن نطالب أصحاب الأعمال بالتأمين بالأجر الحقيقى للعامل، حتى يحصل على معاش مناسب، مشيرا إلى أنه فى ظل قانون التأمينات الجديد سيتم تحسين أحول المعاشات بالنسبة للموجودين بالخدمة.

بدائل مطروحة
ولدى النقابة العامة للمعاشات مقترحات عدة، يمكن أن تسهم فى رفع قيمة العلاوة إلى 15% وحدها الأدنى 100جنيه دون تحميل الخزانة العامة أو صناديق التأمينات أى أعباء جديدة، من خلال فرض رسم على السيارات ذات السعة اللترية التى تتعدى1600سى سى وذلك عند تجديد الرخصة، وكذا فرض رسوم على منتجات التبغ ، وأيضا شركات المحمول (التى تقوم بإنفاق الملايين على إعلانات ذات طابع استفزازى ) على أن يتم تحصيل هذه المبالغ تحت مسمى دعم المعاشات، وتورد بالكامل لهذا الغرض مع تأكيد أن رفع المعاشات إلى 500 جنيه ليس بديلا عن تطبيق الحد الأدنى للمعاشات الوارد بنص المادة 27 بالدستور.

ضم آخر 5 علاوات
يعود البدرى فرغلى رئيس الاتحاد العام لأصحاب المعاشات بالذاكرة إلى الوراء ، ففى عام 2005 حكمت المحكمة الدستورية العليا بأحقية كل أصحاب المعاشات فى 80% من العلاوات الخمس الأخيرة، وقبل أيام، قررت المحكمة الإدارية العليا حجز القضية التى أقمتها بصفتى رئيس الاتحاد للحكم يوم 28 مايو القادم، وقدمنا للمحكمة صور من أحكام صادرة سابقة بأحقيتنا فى العلاوات الخمس الأخيرة، إضافة لتقرير هيئة المفوضين بأحقيتنا فى صرف العلاوات الخمس الأخيرة، وبأثر رجعي، وقلنا أن العلاوة بشكل عام- تصدر بقانون ولا يجوز نزعها إلا بقانون، مشيرا إلى أن أصحاب المعاشات يطالبون بحقوقهم بعد أن قضت نسبة التضخم وغلاء المعيشة على حقهم فى الحياة، بالرغم من حصيلة أو»تحويشة العمر» لأصحاب المعاشات، والتى تتجاوز الستمائة مليار جنيه، منها 162 مليارا لدى الخزانة العامة، تصل إلى ما يقرب من نصف تريليون جنيه بالفوائد، إضافة إلى 300 مليار جنيه بفائدة 8%، وسندات بفائدة 9% أو تزيد قليلا، مع العلم أن معدلات الفائدة هذه ليست موجودة إلا فى أموال المعاشات، حيث تمنح البنوك فوائد على الأموال بنسب فائدة أكبر من ذلك بكثير، وبالرغم من تلك المليارات أيضا، ما زال أصحاب المعاشات يعانون من تدنى قيمة المعاش الشهري، الذى لم يعد يتلاءم مع ضغوط الحياة، وظروف المعيشة الصعبة، الأمر الذى يدفعنا للمطالبة بتشكيل لجنة قضائية مستقلة للتحقيق فى مصير أموال التأمينات، ولماذا لم تسهم عائدات تلك الأموال فى تحسين الحالة المعيشية لأصحاب المعاشات.

عمل إضافى بعد المعاش
وليس أدل على تلك المأساة، من حالة صبرى أحمد عبد المجيد السيد، والذى كان يعمل لدى شركة إيديال قبل خصخصتها، ثم تركها فى عام 2003، ليصبح معاشه بعد 14 عاما 972 جنيها، وأمام ضغوط المعيشة، وتلبية لاحتياجات أولاده، قرر الالتحاق بعمل إضافى لكى يستطيع مواجهة متطلبات الحياة.

التضخم يلتهم العلاوة
نفس المأساة، يتحدث عنها إبراهيم أبوالعطا أمين عام النقابة العامة لاصحاب المعاشات، والذى يؤكد أنه كان يعمل لدى شركة مصر لأعمال الأسمنت المسلح ، ثم خرج على المعاش فى عام 2004، وكان يتقاضى 350 جنيها وقت خروجه على المعاش، وبعد 13 عاما أصبح معاشه 2000 جنيه، مشيرا إلى أن حل مشكلة المعاشات يحتاج إلى حلول واقعية، مثل رفع السقف التأمينى لمن هم مازالوا فى الخدمة، أما أصحاب المعاشات فيجب تقديم حزمة امتيازات لهم ، لمساعدتهم على مواجهة غلاء المعيشة، كأن يتم منحهم علاوة، ورفع قيمة الدعم المخصص لهم، ومنحهم اشتراكات مخفضة أو مجانية فى وسائل المواصلات المختلفة، وتقديم الخدمات الحكومية لهم برسوم أقل أو بالمجان، وكذلك علاجهم بالمجان أو برسوم مخفضة أيضا، وكذلك تخفيض قيمة فواتير الخدمات كالكهرباء، والمياه، والغاز، فالعلاوة وحدها ليست هى الحل لمشكلة أصحاب المعاشات، لأن نسبة التضخم يمكن أن تبتلع أى علاوة مهما تكن قيمتها، مشيرا إلى أن أموال التأمينات ليست ملكا لاصحاب المعاشات وحدهم، بل يشاركهم فيها 17 مليون موظف وعامل مازالوا على رأس العمل، والمشكلة فى تقديري- ليست فى أموال المعاشات كما يردد البعض، فتلك الأموال موجودة، واعترفت الدولة بها، كما أنها تحولت إلى أصول، لكننا نطالب بصرف علاوة استثنائية، وهناك مشروع قانون بمجلس النواب، وتمت إحالته للجان المختصة، لصرف تلك العلاوة، لمواجهة زيادة الأسعار ، وتقرير امتيازات لأصحاب المعاشات، وبالنسبة لمن هم مازالوا فى الخدمة، يجب رفع قيمة الأجر التأمينى لهم، لكى يجدوا معاشا يتناسب مع غلاء المعيشة الذى يعانى منه أصحاب المعاشات، والدخول المنخفضة على حد سواء.

أزمة أموال التأمينات
وبشكل عام ـ والكلام هنا للدكتور محمد عطية أحمد سالم رئيس قطاع التخطيط وبحوث الاستثمار والمعلومات الأسبق بوزارة التأمينات- هناك أسباب وراء أزمة أموال التأمين الاجتماعي، منها زيادة مديونية الخزانة العامة للهيئة القومية للتأمين الاجتماعي، وعدم ربط السياسة الاستثمارية للأموال بأهداف نظم التأمينات و السياسات الحكومية تجاه أموال التأمينات، بالإضافة إلى أداء بنك الاستثمار القومي، والتمييز فى العائد على مدخرات شهادات استثمار البنك الأهلى والعائد على أموال التأمينات، وكلاهما من موارد البنك وفقا للقانون ، وكذلك منع الهيئة القومية للتأمينات من استثمار جزء من فوائضها فى شهادات استثمار البنك الأهلي، وتوظيف الأموال المحولة إلى بنك الاستثمار القومى من التأمينات فى إقراض المشروعات العامة وفى تمويل عجز الموازنة العامة للدولة، وعدم تمكين الهيئة من عوائد استثمار فوائضها، وإضافة العوائد دفتريا لدى البنك.

حلول مقترحة
ولأن لكل مشكلة حلا، فإن الدكتور محمد عطية سالم يقترح ضرورة استقلال الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى عن وزارة المالية وفقا للمادة 17 من دستور 2014 ، وكذلك قيام صناديق التأمينات وتحت إشراف أجهزة الرقابة الإدارية والجهاز المركزى للمحاسبات، بحصر الأموال المحولة إلى بنك الاستثمار ووزارة المالية من دفاتر صندوقى التأمين الاجتماعي، من أجل حساب المديونية الحقيقية لصالح الهيئة منذ عام 1980 وحتى الآن ، والتى تجاوزت قيمتها 700 مليار جنيه بخلاف 162 مليار جنيه ديون بدون عائد ، على أقل تقدير ، والتى تخالف القيمة المعلنة للمديونية ، ومحاسبة المستفيدين من فوضى الحسابات ، وتحديد المديونيات ذات العائد ودون عائد والمديونيات التى سقطت ولم يتم حصرها أثناء تحويلها إلى صكوك عام 2006، كما ينبغى تعويض صندوقى التأمين الاجتماعى عن القيمة الزمنية للنقود، والتى ضاعت نتيجة فوضى الحسابات، وتعامل وزارة المالية مع أموال التأمينات، وأثر ارتفاع المستوى العام للأسعار ، ما يؤثر سلبا على القيمة الحقيقية لتلك الأموال خاصة مع تخفيض قيمة الجنيه المصرى والتأثير سلبا على مستوى معيشة أصحاب هذه الأموال.

رابط دائم:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق