بحث في هذه المدونة

الجمعة، 24 مارس 2017

كيف تعيش بـ 300 جنيه معاش؟

بـ«الأكل البايت»
ابتسامة رضا ترتسم على شفتى كريمة عبدالفتاح، يوم 10 من كل شهر، فرحة كبيرة تشعر بها، وهى فى طابور المعاشات، خاصة عندما يقترب دورها من شباك الصرف، وما إن تمسك بيديها الـ300 جنيه، حتى تنفرج أساريرها وتدسها فى حافظة نقودها وتتجه فوراً إلى البيت. حسبة معقدة تعجز عن حلها كل النظريات الرياضية، فكيف ستكفى الثلاث ورقات فئة المائة جنيه شهراً كاملاً بالطول والعرض: «والله العظيم بيخلصوا يوم 20 فى الشهر». أول 10 أيام من كل شهر تعيش «كريمة» حياة كريمة، تنقلب إلى الضد تماماً مع اقتراب نصف الشهر الأول على الانتهاء: «بقية الشهر بقضيه سلف وأكل بايت وساعات أطبخ على رجول فراخ.

بـ«بيع مناديل»
75 عاماً من العمر لم تشفع له ليرتاح، يتقاضى محمد جاد الحق معاشاً قدره 320 جنيهاً، لا تغنى ولا تسمن من جوع، يعطيها لزوجته طالباً منها تدبير احتياجاتها ثم يخرج لمواصلة العمل فى بيع أكياس المناديل والشاى والسجائر فى الشارع: «أُمال هصرف منين؟.. همّا 320 جنيه يعملوا إيه دلوقتى؟». يقاوم كِبر السن والتعب، ويزيد من الأمر صعوبة كونه كفيفاً لا يرى إلا بعينى زوجته، التى تحرص أحياناً على النزول معه لمساعدته: «مفيش قدامى حل تانى غير إنى أشتغل، المعاش مش بيكفى غير أول 10 أيام وباقى الأيام بصرف من بيع المناديل». ذهبت «أم إبراهيم» زوجته لشراء فرختين وجدت سعرهما 70 جنيهاً، حسبتها فى ذهنها، وقالت: «لو جبتهم يبقى طار ربع المعاش»، فكرت فى اللحمة وجدتها بـ120 جنيهاً، أى نصف المعاش تقريباً: «لا ده نافع ولا ده نافع، دول باينّهم ما يجبوش حاجة خالص»، مؤكدة أن سعر زجاجة الدواء كان 4 جنيهات ونصف الجنيه ارتفع إلى 10 جنيهات.
 
بـ«الصبر»
فى شارع فاطمة النبوية بالدرب الأحمر، تجلس هيام محمد، على عتبة محل بقالة شبه خاوٍ من البضاعة، تحكى مع جاراتها عن المصاريف، تتحدث عن معاش زوجها المريض الذى لا يتخطى الـ300 جنيه، تحسبها كثيراً، تفكر وتسأل جيرانها عن آخر الأسعار وكيف تتصرف النساء ومن أين تدبر المصاريف؟، استغنت «هيام» عن أكلات كثيرة كانت تحبها، اللحم، السمك، والفراخ: «دى الحاجة اللى كانت بجنيه بقت باتنين جنيه، نعمل إيه، عايشين وراضيين حتى لو معاشنا مش عارفين نعيش منه، راضيين عشان يمكن تفرج والأسعار تنزل زى ما بيقولوا».
تحكى «هيام» عن ذكرياتها مع «القرش صاغ»: «كان له قيمة عن الجنيه دلوقتى، ده كيلو البطاطس كان بصاغ بقى 5 جنيه».

بـ«شغل العتالة»
فى رقبته زوجة وثلاثة أبناء، كيف سيكفى المعاش وقدره 300 جنيه هذا العدد؟.. سؤال راوده كثيراً ولم يفلح معه سوى الخروج للعمل رغم تقدمه فى السن، فى درب البرابرة بالموسكى، يقف عاطف شعبان، يحمل ورق كرتون يجوب به الشوارع، ذراعه تؤلمه لكنه يكمل سيره رغماً عنه، من أجل توفير المصاريف: «بحمد ربنا على كل حاجة، لكن تعبت أنا عامل عملية المرارة والفتق والمفروض ما أشيلش حاجات تقيلة».
ينقل «عاطف» ورق الكرتون من درب البرابرة لباب الشعرية يومياً، عشرات المرات ذهاباً وإياباً على الرغم من أن عمره تعدى الـ60 عاماً، يعمل بيومية تساوى 220 جنيهاً أسبوعياً، لكنها تستره باقى الشهر: «ما هو المعاش ما يجبش حاجة، ده كل شوية الحاجة سعرها بيزيد، بدل ما أمد إيدى لحد أشتغل بدراعى أحسن».

بـ«السلف»
منذ وفاة زوجها وهى تحمل الهم، كان يعمل «أستورجياً» ولم يحرمها من شىء، وبمجرد وفاته منذ 12 عاماً عانت الأمرّين مع معاش قدره 300 جنيه: «زمان كان فيه خير، كنت أربى فراخ، وأسلف جيرانى كمان، مرة سلفت سِلفتى فرختين، دلوقتى مش عارفة أجيب بالـ 300 جنيه معاش»، منعت «أم أيمن»، الفراخ، السمك، واللحمة وغيرها من الأكلات التى لا تتناسب مع المعاش الضئيل.
تدعو دائماً أن يرحم الله المواطن برحمته وتقل الأسعار: «آه والنبى نفسى الأسعار تقل عشان نعرف نعيش»، وتتذكر الماضى: «كنا نجيب الأكل الشعبى الفول النابت والبصارة والطماطم، والكشرى والعدس، دلوقتى حتى الحاجات دى مش عارفين نجيبها، عايشين حياة بالضالين».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق