بحث في هذه المدونة

الاثنين، 30 يوليو 2018

د. سامى نجيب: هناك افتراض خاطئ بأن «منظومة التأمينات» قد تفلس وتحتاج لاحتياطات تغطّيها

قال الدكتور سامى نجيب، أحد أهم خبراء التأمينات الاجتماعية فى العالم العربى، إن منظومة التأمينات الحالية مربكة وغير فعالة والسبب فى ذلك أن كثيراً من المسئولين لا يفهمون فلسفة التأمينات باعتبارها حقاً دستورياً لكل مواطن، كما أنهم يتعاملون مع هيئة التأمينات باعتبارها شركة تأمين تجارية معرضة للإفلاس أو التصفية ويجب، طبقاً لهذا التصور، مراكمة احتياطات كبيرة بلغت وفقاً لتقدير الحكومة 660 مليار جنيه. والنتيجة نظام معيب مرهق للعامل وصاحب العمل والحكومة.

وأوضح «نجيب» فى حواره لـ«الوطن» أن هذا الافتراض الخاطئ لا يمكن أن يتحقق فى نظام تأمين إجبارى فى دولة عدد من يدخل فيها سوق العمل ويدفع اشتراكات يفوق بكثير من يُحال إلى التقاعد.

واقترح «نجيب» أن تلتزم الحكومة بدفع نسب فوائد، بسعر السوق، عن أموال التأمينات وليس أصل الدين الذى لا يمكن عملياً المطالبة به، ثم يجب إعادة توزيع النسبة الإجمالية للتأمينات البالغة 40%، بحيث تخفض نسبة العامل لـ7%، ومضاعفة اشتراكات التأمين الصحى من 5% حالياً إلى 15% وخفض نسبة المعاشات إلى النصف.. 

إلى نص الحوار.

التأمينات الاجتماعية أصبحت مشكلة. المواطن يشكو أنه يدفع ولا يحصل على تعويضات مرضية، والحكومة تقول إنها «كريمة» أكثر مما ينبغى. ما سبب الأزمة؟ 

- المشكلة الأساسية فى عدم فهمنا للتأمينات الاجتماعية كنظام قومى لجميع المواطنين، يستمد المزايا من القانون وليس الاشتراكات التى يُوزع عبئها على العامل وصاحب العمل والدولة، كلٌ وفق قدراته، مع مراعاة استدامة النظام وتمتعه بآلية تمويلية ذاتية تستمد من استدامة العضوية لارتباطها بالهيكل العمرى للسكان، فهناك دائماً تدفق للموارد من خلال عضوية متجددة على النحو المتبع فى البنوك التى تعتمد على تدفق الودائع، 

وعدم تفهم طبيعة ودور التأمينات يفسر الشكوى الدائمة من أن المواطن يظل يدفع اشتراكات التأمين أملاً فى تأمين مستقبله، ثم لا يحصل على ما يكفى لحياة كريمة عند بلوغ سن المعاش. 

هذه الشكوى تعنى أن هناك قناعة بان المُؤمَّن عليه مضطر للدفع حتى يحصل على تأمين، وهذا مفهوم التأمين التجارى وليس التأمين الاجتماعى الذى هو حق لكل مواطن، من يستطيع المساهمة فيه ومن لا يستطيع. «مفروض تدفع حتى تأخذ» كان مفهوم التأمين فى صورته الفردية الأولى عند نشأته كنظام اختيارى قائم على «اللى معهوش ميلزموش»، 

لكن منذ 200 عام تغير هذا المفهوم تدريجياً، فمع بداية الثورة الصناعية، نشأت تجمعات صناعية تواجه أخطار التعامل مع الآلات وما قد يترتب على ذلك من حوادث، فنشأت الحاجة لامتداد التأمين لكل عامل مع دخول الدولة كطرف ثالث ينظم العلاقة من خلال تأمين إجبارى وليس اختيارياً، وأصبح التأمين الاجتماعى حقاً للعامل والتزاماً على صاحب العمل. 

وبدأ التأمين بهذا المفهوم فى المعسكرين الشرقى والغربى فى نفس العام وهو 1935 الذى شهد أول نظام معاشات فى الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة الأمريكية. ثم تطورت الفكرة وشملت مظلة التأمينات العمالة فى المنازل ومن يعمل لصالح نفسه وأصحاب الأعمال أنفسهم، وتوسع مفهوم العامل ليشمل رئيس الدولة نفسه، وتحولت التأمينات لحق دستورى لجميع المواطنين وفى دول مثل دول الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة لجميع المواطنين والمقيمين. 

لكن كيف يحصل من لا يساهم باشتراك على تعويضات؟ أقصد من أين يأتى التمويل؟ 
 
- التأمينات الاجتماعية نظام فريد ممول ذاتياً دون رأسمال ومتجدد الموارد، فهناك دائماً من يدخل المنظومة ويدفع. فعندما يتقاعد الأب مثلاً يقوم أولاده الذين ما زالوا فى سن العمل بالدفع وهكذا. وهناك معدلات بطالة مرتفعة لكنها ليست 100% فى أى بلد.

الجهات الحكومية فى حاجة لاتباع نظام التمويل الجزئى كما تفعل القوات المسلحة مع أبنائها.. لأن الخوف من الإفلاس حوّل الأقساط التأمينية إلى نظام جباية يهرب منه الناس.. ويجب إعادة توزيع الاشتراكات البالغة 40٪ بحيث نخفض نسبة العامل إلى 7% ومضاعفة «التأمين الصحى» إلى 15% وتقليص حصة المعاشات إلى النصف

إذن ما المشكلة؟ ولماذا تصر الحكومة على أنها تدفع من الخزانة العامة لتمويل عجز التأمينات الاجتماعية سنوياً؟ 

- نقطة الخلل الأساسى هى وجود نظام اكتوارى مبنى على افتراض غير عملى وغير منطقى، حيث يتم فحص المركز المالى فى تاريخ ما مع افتراض تصفية النظام فى هذا التاريخ. ولا علاقة لذلك الافتراض بالتأمينات الاجتماعية ومن شائه تحويل التأمينات إلى نظام جباية. 

وما سبب هذا الافتراض غير الصحيح؟

- الخبراء الذين تستعين بهم الحكومة لوضع الحسابات الاكتوارية لصندوقى التأمينات الاجتماعية يتعاملون معهما وكأنهما سيصفيان أعمالهما فى تاريخ الفحص، وبالتالى لا بد أن يكون هناك ما يكفى من الأموال لسداد كل الالتزامات فى هذا التاريخ، أى كأنهما شركة تأمين خاصة تجارية يجب التأكد من قدرتها على سداد حقوق المؤمَّن عليهم عند تاريخ الفحص أو عند الإفلاس. 

وهذا فرض نظرى لا يمكن أن يتحقق لأن التأمينات الاجتماعية إجبارية وليست اختيارية ثم إنه من غير الوارد أن تتوقف أو تفلس. 

ويترتب على هذه الفرضية أن نظام التأمينات الاجتماعية، المرهق للدولة وصاحب العمل والعامل، لا يغطى كل المصريين. لماذا لا يغطيهم؟ لأن الناس تتهرب منه. ولماذا يتهربون منه؟ لأن الاشتراكات مرتفعة نسبياً عن القدر اللازم للوفاء بالحقوق المقررة. 

عندما كنت موظفاً فى هيئة التأمينات زارنا وفد من إحدى الدول الأوروبية وتعجب من وجود إدارة للتهرب من التأمينات وقالوا لنا: «فيه حد يتهرب من دفع التأمينات؟ قطعاً هناك عيوب فى نظام التأمينات عندكم يدفع الناس للنفور منه».

ومن وجهة نظرك.. هذا نظام خاطئ؟ 

- هذه ليست وجهة نظر. النظام الذى تتبعه الحكومة يسمى التمويل الكامل fully funded أما الصواب الذى تتبعه دول العالم الأخرى فهو نظام التمويل الجزئى أو الموازنة السنوية أو «pay as you go».. الطريف أن الدولة المصرية نفسها تتبع هذا النظام أحياناً، فهناك 5 قوانين للتأمينات الاجتماعية، منها قانون 112 وقانون المعاشات العسكرية اللذان يطبقان نظام التمويل الجزئى أو الموازنة السنوية. 

وهذا النظام ببساطة يعتمد على التوازن الطبيعى بين من يدفع اشتراكات ومن يحصل على معاشات ولا يلزم نفسه باحتياطات. الأصل فى الأمور أن الهيئات المعنية ملتزمة بدفع التأمينات حتى ولو لم تكن المخصصات تكفى، تماماً مثل التزامها بدفع الأجور. هل يوجد احتياطات لدفع الأجور؟! أصحاب العمل ومن بينهم الحكومة، ملتزمون بدفع الأجور لمن يعمل لديهم والمعاش ليس إلا تعويضاً عن الأجر.

لكن الحكومة ليست صاحبة العمل لـنحو 11 مليون مواطن يعملون فى القطاع العام والخاص؟ 

- هى صاحب العمل على الأقل فيما يتعلق بالجهاز الإدارى للدولة ويجب أن تطبق نظام التمويل الجزئى عليهم. ما معنى أن تكون الحكومة هى أكبر صاحب عمل (عدد العاملين فى الجهاز الإدارى للدولة نحو 5.3 مليون موظف) وبالتالى هى أكبر دافع للتأمينات من خلال صندوق التأمينات الحكومى الذى تبلغ احتياطاته عن عام 2017 نحو 44 مليار جنيه ثم تجد على الورق أن هناك عجزاً أو ديوناً على الحكومة تجاه هذا الصندوق تبلغ نحو 112 مليار جنيه؟! يعنى الحكومة مدينة للحكومة؟! حقيقة الأمر لا يوجد عجز لأن الحكومة ملتزمة بسداد معاشات هؤلاء الناس. 

متى بدأت الحكومة فى اتباع هذا الأسلوب فى تمويل التأمينات؟ 

- منذ سنوات طويلة كانت الحكومة تتبع نظام التمويل الجزئى وفى إحدى السنوات فى الستينات من القرن الماضى حدث عجز ولم تكن الحكومة قادرة على سداد التأمينات ففكروا وقتها فى تطبيق النظام الحالى مع أن العجز وارد حتى فى دفع الأجور.

وهل كانت فكرة غريبة انفردت بها الحكومة المصرية عن دول العالم؟

- كان هذا النظام مقبولاً ومتبعاً فى كل دول العالم قبل أن يتوسع مفهوم التأمينات ليصبح دستورياً حقاً لكل مواطن؛ من يدفع الاشتراكات ومن لا يدفع. بدلاً من النظام القائم الآن fully funded يجب أن نتبع نظام التمويل الجزئى مثلما تفعل القوات المسلحة أو الحكومة فى قانون رقم 112 لسنة 1975 الخاص بفئات القوى العاملة التى لم تشملها قوانين المعاشات والتأمين الاجتماعى. 

وليس هناك ما يدعونا للقلق اكتوارياً لأن الداخلين لسوق العمل أكثر ممن يحصلون على معاشات. وفى مصر الغالبية من السكان فى سن العمل وعددهم يتجاوز دائماً بعدة مرات عدد المتقاعدين، ما يعنى أن هناك آلية تلقائية لتمويل النظام دون حاجة لتكوين احتياطات، على نهج شركات التأمينات التجارية، خصوصاً لمعاشات الشيخوخة، وتتحول تلك الاحتياطات إلى مديونية دفترية تشوه صورة الوضع المالى للدولة دون مبرر، ولا توجد احتياطات لتغطية معاشات الشيخوخة فى الولايات المتحدة، وفى بريطانيا توجد احتياطات لتغطية عدة شهور فقط.

كم يبلغ حجم الاحتياطات المتراكم (الاشتراكات التى لم تصرف مضافاً إليها ريع الاستثمار) بالضبط ولماذا توجد أرقام متباينة؟ 

- قدرها نحو 660 مليار جنيه كما وردت فى التقارير السنوية لصندوقى التأمين الاجتماعى الحكومى وغير الحكومى التابعين لهيئة التأمينات الاجتماعية حتى 30 يونيو 2017. لكن تقدير التنظيمات النقابية أن هذا الاحتياطى يبلغ نحو تريليون جنيه. ومنطقهم فى ذلك أن الحكومة تقترض أموال التأمينات بسعر فائدة 9% وهو معدل يقل عن معدل سعر السوق الذى يبلغ نحو 16%. والحسبة بسعر السوق ترفع أموال التأمينات من 660 مليار إلى تريليون جنيه.

إذن أموال التأمينات أو مخصصاتها، احتياطات أموال التأمين، اقترضتها الحكومة وتدفع عنها معدل فائدة أقل من سعر السوق؟ 

- نعم اقترضتها الحكومة لتمويل عجز الموازنة. وهذا ليس جديداً، فأموال التأمينات الاجتماعية أسهمت بنصيب وافر فى تمويل خطط التنمية منذ أيام عبدالناصر. ومع الوقت، تحولت التأمينات لإحدى وسائل الحكومة لتجميع الأموال والمدخرات لتمويل عجز الموازنة. ومنذ أن مدت الدولة يدها لأموال التأمينات دخلت فى متاهة. هذه الأموال كان يجب أن تعامل كوقف.

الدولة جمعت مخصصات لإعانات البطالة منذ 1964 بلغت 23 مليار جنيه ولا يستفيد منها أحد بسبب «شرط المدة المؤهلة».. ويجب حذف هذا «القيد» 

لكن ألا ينص القانون على أن الدولة تضمن أموال التأمينات؟ 

- هذا نص «زى قلّته» فعملياً هناك فى ظل أسلوب التمويل الكامل تراكم مستمر وسنوى فى احتياطات لن يكون هناك أبداً من يطالب بهذه الأموال. وأصحاب المعاشات يطالبون فقط بتعويضات أعلى وليس بأصل الدين. لكن الحكومة، المكبّلة على الورق بديون لهيئة التأمينات الاجتماعية، لا تستطيع سداد أصل الدين ولا تدفع الفوائد الصحيحة عنها. 

والأغرب أنها تعتبر أصحاب المعاشات عبئاً عليها. وسبب كل ذلك المنظومة المبنية على فرضية خاطئة. وأكرر هنا أن التأمينات الاجتماعية مثل البنوك تعتمد على أن هناك دائماً من يودع ومن يأخذ. لكن الهيئة، على عكس البنوك، لا تحتاج لأموال تغطيها فى حال الإفلاس أو تصفية الأعمال، لأن هذا غير وارد فى حالة التأمينات الاجتماعية. 

وترتب على هذا المفهوم الاكتوارى الخاطئ، أخطاء أخرى. فاشتراكات التأمينات فى مصر هى أعلى نسبة فى العالم. هل يمكن لدولة ترغب فى تنشيط الاستثمار أن تفرض 40% تأمينات على العامل وصاحب العمل؟ بينما النسبة فى أمريكا وأوروبا نحو 15%؟ 

والأكثر غرابة أننا على عكس باقى دول العالم نجعل النسبة الأكبر، وهى 30%، من الـ 40% لمعاشات الشيخوخة، بينما الحادث فى دول العالم أن التأمين الصحى يستحوذ على النسبة الأكبر. 

وماذا تقترح لعلاج أوجه القصور؟

- يجب أولاً أن تلتزم الحكومة بدفع نسب فوائد بسعر السوق عن أموال التأمينات وليس أصل الدين، فالوظيفة الأساسية للاحتياطات هى توليد الفوائد. 

معنى ذلك التسليم بضياع أصل الدين؟ 

- ليس ضياعاً، الأموال استُخدمت فى مشروعات التنمية وسد عجز الموازنة. والدولة مدينة بالفوائد وليست بالقرض، فعملياً ليس هناك من يمكن له استرداد هذه الأموال. 

الحادث الآن أن الحكومة تحصل على أموال الناس مقابل نحو 9% فقط. والحل فى أن تتعهد الدولة بسداد ريعها بسعر السوق، أعطونا نسبة الـ 16% التى يحصل عليها المودعون من البنوك. هذه الزيادة تعنى نحو 40 مليار جنيه إضافية سنوياً تكفى لدعم اشتراكات لصالح التأمين الصحى والبطالة. 

وما الاقتراح الثانى؟ 

- إعادة توزيع النسبة الإجمالية للتأمينات الاجتماعية البالغة 40% (بواقع 14%على العامل و26% على صاحب العمل)، بحيث تخفض نسبة العامل فى الاشتراكات إلى نحو 7%. ومضاعفة اشتراكات التأمين الصحى من 5% إلى 10 أو حتى 15% وخفض نسبة الـ 30% التى تذهب للمعاشات إلى النصف. 

التأمين الصحى يجب أن يحظى بأكبر نسبة من الاشتراكات. لأنه من غير المعقول أن ننتظر 15 عاماً حتى يتم تعميم نظام التأمين الصحى الجديد.

ولماذا يتم تخصيص النسبة الأكبر من أموال التأمينات لمعاشات الشيخوخة على عكس باقى دول العالم؟ 

- لأن المسئولين، كما أوضحت لك، يعيشون فى وهم أن تأمين المعاشات لا بد أن يحصل على 30% لمواجهة أى طوارئ. هذا الوهم اكتوارياً ليس صحيحاً، خاصة بعد تراكم احتياطات تقدر بنحو 660 مليار جنيه، هذا الرقم إذا حقق ريع الاستثمار السوقى فلن نحتاج هذه النسبة للمعاشات ويمكن توجيهها للتأمين الصحى والبطالة. الحادث الآن أن بعض أصحاب العمل يدفعون حصة كبيرة للتأمينات ثم يسعون لنظام تأمين خاص على حسابهم لعلاج موظفيهم لأنهم هم الخاسر حين يمرض موظفوهم ولا يجدون نظام تأمين جيداً لعلاجهم. 

التأمينات الاجتماعية نظام قادر على حل مشكلات سياسية واجتماعية واقتصادية كثيرة، والفرق بين الولايات المتحدة ومصر هو نظام التأمينات الاجتماعية الذى يسمونه هناك نظام الضمان الاجتماعى، وهو موضوع أساسى فى خطاب الرئيس السنوى هناك. 

والاقتراح الثالث ضرورة تفعيل نظام التأمين ضد البطالة من خلال موارده المتراكمة منذ العام 1964. لكن ما يحدث أن الحكومة تجمع مخصصات لهذا البند كل عام ولا تنفقها حتى بلغ الإجمالى نحو 23 مليار جنيه حتى العام 2015. 

ولماذا؟ 

- منطق الحكومة أنه: «لا يُتصور أن يكون هناك تأمين بطالة لمن لا يدفع مبالغ تأمين أصلاً». وأنا أقول للمسئولين إنه من غير المقبول أن يُحرم خريج جامعى عاطل من تأمين البطالة. من يدخل السجن يأكل ويعالج مجاناً فكيف يحرم خريج قادر ومؤهل وراغب فى العمل من حق التأمينات؟! 

منطق الحكومة يخالف فلسفة نظم التأمينات الحديثة، التى تتحدث عن فصل الخدمة عن التمويل. والدول العربية أخذت قوانين التأمين من مصر باستثناء قانون البطالة، لأنها تعطى تأميناً لخريجى الجامعة العاطلين عن العمل كما هو حادث فى البحرين والسعودية وغيرهما. 

لدينا مخصصات قدرها 23 مليار جنيه تأمينات بطالة ولا يستفيد منها أحد لأن القانون وضع شروطاً للبطالة تكاد لا تتحقق. فوفقاً للقانون الحالى لا بد أن يكون قد سبق التأمين عليك ثم تعطلت لتحصل على تعويض بطالة (شرط المدة المؤهلة). احذف هذا النص وستجد كثيرين مستحقين للتعويض، لأن مشكلة الغالبية العظمى من الشباب أنهم مؤهلون للعمل ولا يجدون فرصة من الأساس، وأبسط حقوقه أن يحصل على تأمين يمكّنه من يأكل فول وطعمية وحتى يستقل وسائل مواصلات للبحث عن عمل. 

كم تبلغ قيمة تعويض البطالة؟ 

- تعويض البطالة حسب القانون 60% من أجر العامل. وفى حالة الخريجين الذين لم يعملوا من قبل سيكون 60% من أجر العامل المماثل.. أى يمكن للدولة أن تحدد ما يحصل عليه نظيره وتعطيه 60% منه. 

ما تفسيرك لإصرار الحكومات المختلفة على هذا المفهوم؟ 

- كما قلت لك هناك عدم فهم لوظيفة التأمينات الاجتماعية وبعض المسئولين يرفع شعار «هذا ما وجدنا عليه آباءنا». لا بد أن تكون مزايا التأمينات الاجتماعية حقاً لكل مواطن مثل الماء والهواء بكل صورها الست وهى الشيخوخة والعجز والوفاة والتعطل والمرض والإصابة. 

ما يعنى أن كل مواطن يجب أن يكون مشمولاً بالتأمينات؟

- هو مشمول بالفعل وفقاً للقانون 112 لسنة 1980. وفى ثورة يناير كانت هناك مطالب بعودة القانون 112 الذى تم وقف العمل به، وهو ينص على إعطاء معاش لمن لا معاش له، فأول مادة فى القانون تنص على أن القانون يسرى على جميع الفئات التى لم تمتد إليها التأمينات. والمادة الثانية تنص على أن المعاش حق يساهم فى تمويله العامل فإن لم يساهم يستحق المعاش ويخصم منه أقساطه. أحد الوزراء قال لى ذات مرة: «معقولة واحد ياخد معاش ولم يدفع أبدا؟! فقلت له نعم ممكن لأنه غير قادر مثل صغار الفلاحين و«الأرزقية» ومن لا يعمل أساساً. 

وهل هذا مطبق؟ 

- المفروض أنه مطبق وهناك مثلاً مليون فلاح يحصلون على معاش لم يشترك منهم أحد. وتوجد مكاتب لا عمل لها إلا متابعة تأمينات عمال المقاولات على النحو الذى طالب به رئيس الجمهورية مؤخراً ونتج عنه «وثيقة أمان». وكنت أتمنى أن يقول أحد المسئولين للرئيس: «نعمل الوثيقة يا ريس.. زيادة الخير خيرين لكن المعاش موجود بالفعل بحكم القانون». 

 إذا كان المعاش موجوداً ويستفيد منه الفلاحون، لماذا يطالب نقيب الفلاحين بمعاش لهم إذن؟ 

- اسأله. القانون يقول إن الجميع لهم حق فى المعاش. والواقع يقول إن من يعرف حقه يأخذه.. 

معنى ذلك أنك إجمالًا غير راضٍ عن منظومة التأمين الحالية وترى ضرورة الإسراع بإصلاحها؟

- نظام التأمينات الحالى ليس سيئاً ولكن لدينا طموحات أكبر فى تحسينه لقناعتى أنه قادر على حل مشاكل كثيرة. وكل تأخير فى مد مظلة الحماية الاجتماعية ينعكس سلباً على كل مؤسسات الدولة ومنها أجهزة الأمن التى تواجه جرائم كثيرة ناتجة عن عدم رعاية الناس من خلال معاشات الشيخوخة والتأمين الصحى والبطالة. ثم إن نظام التأمينات من أهم وسائل دعم الشعور بالانتماء الوطنى الحقيقى. 

أما كلمة الإصلاح فأنا لا أحبها لأنها ارتبطت دائماً ببرامج صندوق النقد الذى يعبر عن مصالح الدائنين. ومفهوم الإصلاح عند الصندوق أن تتوازن الإيرادات مع النفقات بخفض المصروفات وزيادة الإيرادات. زيادة الإيرادات تعنى زيادة الضرائب وخفض النفقات يعنى خفض الرواتب. ومشكلة أى دولة تبدأ مع الاستدانة. ثم الاستعانة بصندوق النقد الدولى. والهدف الرئيسى للصندوق إعادة هيكلة الموازنة العامة للتأكد من قدرة الدولة المدينة على السداد ولذلك هو يعارض قانون 112 لأنه يمثل التزاماً على الدولة بتوفير معاش لكل المواطنين. 

لماذا لا تتواصل مع المسئولين؟ 

- أتواصل مع الجميع منذ سنوات وعرضت وجهة نظرى مجدداً فى كتاب موجّه للرئيس السيسى. لكن الواضح أن المسئولين لديهم اعتبارات أخرى تدفعهم لعدم الأخذ برأيى. أحد الوزراء قال لى ذات مرة: «اقترح علىّ وسأنفذ ما تقول»، لكن المحيطين به أقنعوه بعكس ذلك وقالوا له: «سامى نجيب بيحلم». 


 الوطن



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق