بحث في هذه المدونة

الجمعة، 27 أبريل 2018

قراءة فى الميزانية ومعاش الوزراء - فاروق جويدة

هل كان من المناسب فى الظروف الحالية التى تعيشها مصر أن تنطلق كل هذه المفاجآت من مبنى البرلمان والحكومة ابتداء بأرقام الميزانية وفيها أشياء كثيرة مزعجة للناس وانتهاء بفوائد الديون؟ .. 

هل كان من الضرورى أن نتحدث عن زيادات ضخمة فى مرتبات ومعاشات السادة الوزراء وكلنا يعلم أن لهم مصادر دخل شبه مشروعة تتجاوز بكثير ما قرره مجلس الشعب فى الحد الأقصى للمرتب وهو 42 ألف جنيه والحد الأقصى للمعاش 33 ألف جنيه وإذا كان المرتب فيه شىء مقبول فإن الزيادة فى المعاش فيها تجاوز كبير. فى تقديرى أن مثل هذه القوانين تعصف بكل ما يدور حول ضغط الإنفاق الحكومى وترشيد سياسة الدولة ماليا فى ظل الأعباء الضخمة التى فرضها برنامج الإصلاح الاقتصادى على المواطنين.. 

> لقد اتسعت دائرة الحديث عن مرتبات الوزراء وان لكل وزير أكثر من مصدر مالى سواء فى الصناديق الخاصة أو مجالس إدارات الشركات والبنوك والهيئات الحكومية وكلها تعطى بدلات حضور تتجاوز الحد الأقصى للأجور .. إن الأخطر من ذلك هو هذا الرقم الذى ازعج الجميع وهو معاش الوزير خاصة أننا نعلم أن فى مصر 9 ملايين مواطن يعيشون ظروفا صعبة أمام معاشات هزيلة ..

إن قضية المعاشات واحدة من أخطر القضايا التى أهملتها الدولة المصرية عبر عصور طويلة رغم أنها أموال اقتطعتها الحكومة من مرتبات العاملين فيها تحت بند التأمينات وخرج العاملون من الخدمة وتسربت مستحقاتهم ما بين بنك الاستثمار القومى ومشروعات لإستثمار هذه الأموال واعترفت الحكومة أخيرا بأن هذه المدخرات قد تجاوزت 650مليار جنيه ولكن أين ذهبت الله أعلم ..

كان الشىء الغريب أن تطلق الحكومة بالتعاون مع مجلس الشعب هذه المفاجأة وترفع معاش الوزير إلى 33 ألف جنيه حتى لو عمل فى منصبه أسبوعا واحدا .. إن السؤال هنا: على من ينطبق هذا القانون وهل يتم تنفيذه بأثر رجعى أم بقرار صدوره؟ وما الذى يمنع آلاف الوزراء منذ ثورة يوليو أن يرفعوا قضايا على الدولة بحقهم فى هذا المعاش؟ وما الذى يمنع أن ينفذ المعاش الجديد على وزراء «الإخوان المسلمين» وكانوا أعضاء فى الحكومة وعلى وزراء الحزب الوطنى فى عشرات الحكومات التى بقيت فى السلطة ثلاثين عاما؟. 

> فى تقديرى رغم الجهد الذى تبذله وزارة المهندس شريف إسماعيل فإن هناك بعض الملاحظات التى تحتاج إلى قدر من الشفافية والمكاشفة ..

إن الحكومة فى أحيان كثيرة لا تدرك صعوبة المرحلة التى تمر بها مصر خاصة فى بنود الإنفاق الحكومى, لأنها تتصرف وكأننا دولة غنية .. إن الحكومة التى ترفع مرتبات وزرائها ومعاشاتهم بهذه المبالغ الضخمة حكومة غنية ولديها موارد ضخمة ولا تعانى عجزا رهيبا فى الميزانية ماذا تقول هذه الحكومة ونصف موارد الميزانية ضرائب وجمارك تصل إلى 760 مليار جنيه .. ماذا تقول عن حجم الدين وقد وصل إلى أرقام مخيفة حتى إن الفوائد السنوية على الدين الداخلى والخارجى قد وصلت الى 541 مليار جنيه, أى أكثر من مليار ونصف مليار جنيه يوميا. إن مواكب السيارات والمكاتب والمنشآت والأسفار الخارجية التى زادت على الحد تؤكد أننا أمام حكومة غاية فى الثراء .

هناك ملاحظة أخرى: أين الإنتاج فى ميزانية الدولة؟ أين الدخل من الزراعة والصناعة والصادرات؟ وأين موارد السياحة بل أين الإستثمارات الأجنبية بعد كل ما أصدرنا من القوانين والتشريعات إن كل إيرادات الدولة تبلغ 980 مليار جنيه منها 760 مليارا من الجمارك والضرائب, أى من الجباية فأين حصيلة الإنتاج فى كل منشآت الدولة, لا توجد أمامنا أرقام غير قناة السويس 33 مليار جنيه وبعد ذلك نأتى إلى مرتبات العاملين فى الدولة وهى 266 مليار جنيه بجانب 100 مليار جنيه استثمارات متوقعة وليست مضمونة .. 

إن بنود الموارد فى الميزانية الجديدة محدودة للغاية وغاب عنها بند أساسى فى الموارد وهو العمل والإنتاج وهذا يؤكد أن المصريين شعب لا يعمل وان الحكومة قد وزعت الميزانية بصورة غريبة ما بين الأجور وفوائد الديون وما بقى من قروش للخدمات فى مجالات مختلفة فى الصحة والتعليم والنقل والمواصلات وكلها أرقام هزيلة فى ظل غياب الإنتاج والعمل والموارد لا يبقى أمام الحكومة غير مزيد من الضرائب ورفع للأسعار أو صفقات بيع الأراضى وتسويق ما لديها من خدمات .. 

إن الحكومة بهذه الصورة سوف تبقى حائرة أمام العجز الرهيب فى الميزانية, مما يجعلها تلجأ إلى مزيد من الديون سواء خارجية أو داخلية حتى تصل إلى منطقة المخاطر وقد اقتربت كثيرا ..

ليس أمام الحكومة غير أن تتخذ إجراءات حادة فى ضغط الإنفاق الحكومى وهو بند للأسف الشديد غير واضح فى الميزانية الجديدة بحيث تحدد حجم النفقات فى كل قطاع, أما أن تترك هذه البنود مفتوحة فهذا أمر لا يجوز أمام ميزانية مرتبكة ودولة فقيرة ..
 

لا أحد يعلم شيئا على الإطلاق عن حجم الإنتاج فى الدولة المصرية وماذا يفعل المصريون وماذا ينتجون حتى أرقام الصادرات غير واردة من حيث الأهداف والاحتمالات وهنا يجب أن نسأل: أين الزراعة المصرية وما حجم صادراتنا منها الأن وما هى المحاصيل التى نجد لها أسواقا فى الخارج وما حصيلة ذلك كله من موارد العملات الصعبة؟.. وأين الصناعة المصرية نحن الآن نستورد عشرات السلع الصناعية ليس من أوروبا ولكن من الدول العربية الشقيقة؟ إن الأدوية والسلع الغذائية والصناعية تملأ الأسواق من دولة الإمارات العربية والسعودية فأين صناعات مصر وأين منتجاتنا القديمة التى كانت توفر جزءا كبيرا من احتياجاتنا فى الداخل؟ هذه الأمور لابد أن نناقشها بكل الشفافية والوضوح.

يأتى فى هذا السياق مواردنا من السياحة وكيف يرتفع أعداد السياح؟ وما هى وسائل ذلك كله؟ وأين التوسعات فى هذا المورد الاقتصادى الكبير؟.
 
إن الأهم والأخطر من ذلك كله ما هو موقف الحكومة من الاقتصاد غير الرسمى .. إذا كانت الميزانية قد رصدت حجم المشاكل والموارد والنفقات والعجز والديون فأين فى ذلك كله موقف اقتصاد الشارع الذى لا نعرف عنه شيئا؟.. إن هناك آلافا من المصانع التى تنتج سلعا ولا أحد يعرف مستوى الأمان فى هذه السلع ومنها الأدوية .. 

هناك أيضا المقاولات وهى أكبر نشاط اقتصادى فى مصر الآن من حيث العمالة والإنفاق وحجم الأنشطة, هناك اعتداءات صارخة على الأراضى الزراعية التى تحولت إلى عقارات وهناك آلاف الملايين من الجنيهات التى دخلت جيوب المستثمرين فى هذه المجالات وبجانب هذا فإن المولات الكبرى وتجارة السلع بكل أنواعها تمثل موارد اقتصادية ضخمة وإذا كانت الحكومة قد قدرت فى الميزانية حجم الضرائب والجمارك بمبلغ 770 مليار جنيه فأين مكاسب الدولار التى تحققت حين قفز من سبعة جنيهات وتجاوز 20 جنيها مرة واحدة, هناك أرقام مخيفة من الأرباح التى تحققت من تجارة العملة فى الفترة التى سبقت تعويم سعر الجنيه والهبوط الذى أصاب الجنيه المصرى فى ظل قرارات الإصلاح الاقتصادى ..

هذه الموارد التى اتحدث عنها لا يمكن أن نقارنها بعائد فاتورة الكهرباء أو المياه أو تذاكر القطارات ووسائل المواصلات .. إن الاقتصاد غير الرسمى فى مصر أضعاف الاقتصاد الرسمى الذى تبنى عليه الحكومة الأرقام فى الميزانية ولا أحد يعلم شيئا عن تجارة الأراضى وهو من أخطر وأهم الموارد الآن فى أنشطة الحكومة وتستطيع إذا أرادت أن تكتشف إلى اى مدى وصل حجم الإنفاق والبيع والشراء والمكاسب فى هذه المجالات..
 
كنت أتمنى والحكومة ترفع معاشات الوزراء أن تنظر إلى أصحاب المعاشات وهم بالملايين وان كنت اعتقد أن على الحكومة ومجلس الشعب أن يستعد لمواجهة آلاف القضايا المرفوعة من آلاف الوزراء السابقين واللاحقين مطالبين بحقهم فى المعاش الجديد منذ وزراء ثورة يوليو حتى ثورة يونيه .

إن على الحكومة أن تبحث عن الموارد بنفس الجهد الذى تبحث فيه عن مصادر الجباية, لأن المواطن المصرى لم يعد قادرا على تحمل زيادات جديدة فى فاتورة الكهرباء أو المياه أو أسعار السلع التى ترتفع كل يوم دون رقابة من الحكومة ..

سوف تواجه الحكومة بعد فترة قصيرة ظروفا صعبة فى توفير الأموال اللازمة لسداد الفوائد على الدين الداخلى والخارجى وهى أرقام ضخمة سوف تفرض بالضرورة أعباء كبيرة على ميزانية الدولة .

رغم كل النجاحات التى حققها الجهاز المصرفى فى هذه الظروف الصعبة فإننى اعتقد أن على البنوك مسئوليات أخرى فى إنعاش الإنتاج المصرى فى كل المجالات. إن البنوك ليست حصالة لجمع المدخرات ولكنها أحدث ما وصل إليه الإنسان فى إبداع وسائل جديدة للإنتاج والاستثمار وتوفير فرص العمل والقضاء على البطالة ..

هذه بعض الأفكار التى دارت فى رأسى وأنا أقرأ الميزانية الجديدة وأرجو أن يكون فى كلامى ما يفيد .
 
الاهرام



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق