بحث في هذه المدونة

الجمعة، 3 فبراير 2017

معاناة أصحاب المعاشات مستمرة.. «فاتن»: «نفسى حد ياخد الـ 1500 جنيه معاشى ويقول لى أعيش إزاى»

فى جلباب واسع يعلوه شال من الصوف تتحرك «فاتن إبراهيم» (50 عاماً)، ربة منزل، متجهة لمكتب البريد حيث تتقاضى معاشها الشهرى، بدلاً من زوجها الذى رحل عن الدنيا قبل أكثر من 8 سنوات.. «فاتن»، التى تسكن فى الطابق الأرضى لأحد العقارات بمنطقة أبوقتادة ببولاق الدكرور، تعيش فى شقة غرفتين وصالة ومطبخ وحمام بمفردها بعد وفاة الزوج الذى عمل لأكثر من 25 عاماً بالمركز القومى للبحوث، تترك فاتن مسكنها إلى مكتب البريد لتتقاضى معاشاً شهرياً تبلغ قيمته 1500 جنيه، تقول إنها لا تكفيها فى ظل ارتفاع الأسعار، خاصة بعد أن أصبحت مسئولة عن ابنة أخيها المتوفى، والتى جاءت لتسكن معها وتقاسمها معيشتها الصعبة. 

يوم 10 من كل شهر هو الموعد الذى تتسلم فيه فاتن معاشها، تقول إنها تنتظره بفارغ الصبر، تستيقظ مبكراً وتخرج لتقف فى طابور طويل مخصص للسيدات، تتحاور مع زملاء الطابور فى محاولة لقتل الوقت الذى يمر بصعوبة، وفى بعض الأحيان تضطر لدفع بعض الجنيهات لإحدى العاملات بمكتب البريد حتى تصرف لها المعاش لعدم قدرتها على الوقوف فى الطابور الطويل: «بآخد المعاش وبرجع البيت أشوف النوتة اللى مسجلة فيها الفلوس اللى مستلفاها من جيرانى وبحاول أسددها كلها، بس أحيانا مش بأقدر أسدد كل اللى عليّا». تقول فاتن إن جيرانها يعذرونها لأن لديهم فكرة عن قلة المعاش الذى تتقاضاه: «فيه ناس بكون مستلفة منهم، بروح لهم البيت وبقول لهم معلش خلوها الشهر اللى جاى وهما بيقدروا ظروفى، وبعد ما بادفع الإيجار والمية والكهرباء وجزء من الفلوس اللى عليا مش بيتبقى غير 200 جنيه، ويمكن أقل، وبيبقى مطلوب منى أمشّى حالى طول الشهر بـ200 جنيه».


تشير السيدة الخمسينية إلى بعض الفواتير التى تمسك بها: «بقالى كذا شهر مش عارفة أدفع فواتير الكهرباء، فالمعاش بدفع منه 100 جنيه إيجار مع إنى كنت بدفع 10 جنيه علشان أنا إيجار قديم لكن أصحاب البيت اتخانقوا معايا من سنتين وخلوها 100 جنيه و93 جنيه مية و20 جنيه غاز وفاتورة الكهربا اللى بتعدى الـ50 جنيه».

تفاصيل كثيرة تزاحمت فى ذهن الأرملة ذات العينين الضيقتين، المعاش الذى لا يزيد على 1500 جنيه معاش زوجها ومصدر دخلها الوحيد، وابنة أخيها ذات الـ19 عاماً التى لم توفر أى شىء لجهازها وزواجها، وديون تتعدى الآلاف من تجهيز أخواتها الأكبر منها: «نفسى حد ياخد الـ1500 جنيه أول ما أقبضهم ويقسمهم لى ويقول لى إزاى أقدر أعيش بيهم وأسدد اللى عليّا وأحاول أحوش منها علشان أجهز بنت أخويا اليتيمة، ده حتى خايفة أدخل فى جمعية مع الجيران مقدرش أدفعها كل شهر». تضيف «فاتن»، بنبرة منخفضة ومملوءة بالحزن: «قبل ما الأسعار تزيد كان المعاش بيكفى ومش بحس بأى أزمة، فكنت بشترى الحاجات الضرورية اللى أنا محتاجاها وحاجات تانية تتأجل للشهر اللى بعده، لكن النهارده المعاش بيتصرف فى أقل من 3 أيام بعد ما باسدد الديون الشهرية اللى عليّا».

تنظر «فاتن» فى الأرض، وتصمت قليلاً وكأنها تريد أن تتذكر شيئاً: «آخر مرة دخلت اللحمة فيها بيتى كانت فى العيد الكبير كانوا الجيران بيعدوا بيها علينا ومن ساعتها ما دقنهاش تانى وكنت أحياناً أجيب فراخ بس بعد ما سعرها وصل لـ30 جنيه مبقيتش أقدر على تمنها وبقيت أكتفى إنى أعمل أكل من غير لحمة حتى السمك الكيلو وصل لـ20 جنيه بعد ما كنت بجيبه بـ13 و14 جنيه فبقينا أوقات كتير بنتغدى زى ما بنفطر فول وبيض وممكن أغير وأعمل بطاطس، وطلبات البيت زى المكرونة والرز والزيت والسكر والحاجات دى بجيبها من البقال شُكك وباحاسبه لما باقبض». 

تصمت السيدة الخمسينية التى تتشابه ملامحها إلى حد كبير مع أغلب ملامح سيدات المنطقة من حيث البساطة وضعف الحال لترتشف ما تبقى من قطرات شاى فى كوب بيدها، ثم تعاود حديثها قائلة: «أنا عندى روماتيزم فى رجلى الشمال ومبقدرش أدوس عليها وعشان أتابع مع الدكتور لازم أدفع كشف 50 جنيه ويدينى علاج على الأقل بـ100 جنيه فمش بقدر أروح أكشف وعلشان أكشف فى التأمين لازم أروح الهرم وأنا مش بقدر أركب مواصلات فباخد توكتوك بدفع له 8 جنيه فبقيت باستخسر أكشف عشان أوفر الـ8 جنيه فالبيت أولى وبكتفى إنى بجيب مرهم وعلاج من الصيدلية كل ما يبقى معايا فلوس أو لما رجلى تشد عليا».

 تلتقط طرف الحديث «نورا صلاح»، ابنة شقيق فاتن، التى تشاركها سكنها، والتى دفعها ضيق الحال إلى العمل كبائعة بإحدى المكتبات، بعد حصولها على شهادة الدبلوم حتى تستطيع أن تلبى احتياجاتها وتجهز نفسها فتقول بصوت منخفض ممزوج بحزن: «أنا مش فاكرة آخر مرة اشتريت فيها لبس كانت إمتى ولما الأسعار زادت كده نزلت اشتغلت فى المكتبة عشان أسلى وقتى وفى نفس الوقت أكسب قرشين أصرف بيهم على نفسى وأساعد عمتى فى إنها تجهزنى بعد ما أسعار الفرش زادت».


 الوطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق