شدوا الحزام .. قللوا الانجاب .. وفروا في الكهرباء .. بلاش تأكلوا
لحمة .. على وقع هذه التنبيهات ، وعشرات غيرها ، تربى عند المصريين حالة
تشبه إلى حد بعيد مرض "الوسواس القهري" ينتابهم بمجرد ظهور أحد المسئولين ،
بداية من رئيس الوزراء وحتى أصغر متحدث باسم وزارة ما ، لدرجة أن جملة
"هذا القرار يصب في مصلحة المواطن" تحولت إلى عبارة سيئة السمعة غالباً ما
يستتبعها توقع شيء مؤلم أبعد ما يكون عن أن يكون فيه خير للشعب .
وإذا كان من الإنصاف الاعتراف بأن الواقع ليس وردياً بأية حال من الأحوال خصوصاً في ظل التحديات الخطيرة التي تواجه أي مسئول حكومي بيده اتخاذ القرار الذي يترتب عليه تحديد مصير الملايين ، ومن بين هذه التحديات الظروف الاقليمية المضطربة والحرب ضد الإرهاب ، مما يحمل المواطنين أعباءً إضافية .
وإذا ما تم وضع هذه الأوضاع الصعبة في سياق ضغوط صندوق النقد الدولي لخفض الدعم والتي ترتب عليها تحريك أسعار الوقود بكافة أنواعه ورفع أسعار الكهرباء والمياه ليواجه المواطن مزيداً من الظروف الصعبة بعد عدة قرارات مصيرية تتعلق بقوت يومه ونمط معيشته ، وهو الأمر الذى يضع صانعي القرار في الحكومة في موقف لا يحسدوا عليه فهم بين نارين أولهما اتخاذ القرارات التي تعزز من موقفها الاقتصادي ، والذي ينعكس بشكل كبير ومباشر على حياة المواطنين بكل تفاصيلها ، خاصة أن رفع أسعار الوقود يؤدى تلقائيًا إلى رفع أسعار كل السلع، وهو ما حاولت الحكومة التخفيف من حدته بالتأكيد على أنها ستراقب الأسواق. .
وثانيهما محاولة التخفيف من وطأة هذه الإجراءات عبر توسيع شبكات الحماية الاجتماعية من صرف معاشات "تكافل وكرامة" وزيادة المقررات التموينية المدعومة . ويواجه المواطن مع كل ذلك جشع التجار وارتفاع أسعار الخدمات من جانب وتدنى مستوى الدخل وقلة فرص العمل من جانب آخر ، وفى الوقت التي تصدر فيه تصريحات من الحكومة بأن القادم سيكون أفضل يظل الوضع صعبًا نتيجة قرارات حكومة شريف إسماعيل ..
ورغم ذلك لا تعطي الحكومة أية مؤشرات حول زيادة الحد الأدنى للأجور للعاملين بالدولة مما يضاعف احساس الطبقات الكادحة بالمظلومية كما يسد قنوات التواصل ويهدم جسور الثقة بين المواطن والحكومة .
وعلى سبيل المثال ، لا الحصر ، يعاني أصحاب المعاشات من تدني المستحقات التي يحصلون عليها شهريا بعد طول خدمة في العمل وهذا طبعا بالتزامن مع تدهور حالتهم الصحية بفعل تقدم السن ..
وعندما أنصفهم القضاء بحكم تاريخي بأحقيتهم في الحصول على متجمد علاوات عن السنوات الماضية مما يترتب عليه زيادة تصل إلى 80% من قيمة معاشاتهم .. فوجئوا بالحكومة ترفض التنفيذ وتردد المقولة الثابتة : الميزانية لا تسمح .. في حين لا يجد رئيس مجلس النواب أي حرج في التحدث عن ضرورة زيادة الحد الأقصى لأجور السادة الوزراء والسادة أعضاء مجلس الشعب ..
وهنا يطرح المواطن السؤال التلقائي : "بأمارة إيه" .. فهل هم يستحقون مزيداً من تحسين أوضاعهم المالية وباقي أفراد الشعب "خسارة فيهم" ؟ كل هذا بالإضافة إلى الهم الأكبر المتمثل في مشوار التعليم بداية من ارتفاع مصروفات المدارس الخاصة ، وعدم سيطرة الحكومة عليها ، وتركهم نهباً لمافيا الدروس الخصوصية ..
بخلاف أزمة حشو المناهج وإلغاء التعليم التجريبي .. ناهيك عن التجارب المريرة التي يتكبدها المرضى للانتفاع بالتأمين الصحي .. فزيارة واحدة لإحدى المستشفيات العامة ومشاهدة الطوابير التي لا تنتهي وانتظار الدور ، رغم قسوة الآلام وتدخل المحسوبية المقيتة ، كل هذا وغيره يجعل العلاقة ما بين الحكومة والشعب ليست على ما يرام في أغلب الأحوال .
وبنظرة فاحصة لحالة المجتمع المصري سنلاحظ تآكل ما كان يعرف بالطبقة المتوسطة ، التي ينظر إليها على أنها رمانة الميزان أو عمود الخيمة في أي مجتمع لحفظ توازنه وضمان استقراره ، وترحيل من كانوا ينتمون لهذه الشريحة إلى الطبقة الأدنى بحيث أننا أصبحنا أمام طبقتين لا ثالث لهما : الأولى وهي الطبقة الغنية والتي يزيد غناها بفعل التراكم واستثمار الأزمات لتحقيق أعلى عائد مالي ، والطبقة المعدمة والتي أيضاً يزيد فقرها ومعاناتها مع قسوة إجراءات الإصلاح الاقتصادي وجشع التجار وزيادة الأسعار كل يوم بل ربما كل ساعة ..
وكأن قدر المصريين أن الغني يزيد غنى والفقير يموت كمداً .. مما يولد حالة تنافر لا تخطئها عين . وربما كان خير دليل عملي على هذا الوضع .. حالة "الشماتة" التي ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن ضربت الأمطار الشديدة مدينة التجمع الخامس المعروف أنها جنة الأثرياء في مصر التي لا يقربها الفقراء ..
وهذا يحمل في طياته مخاطر عديدة تتعلق بوحدة النسيج والتماسك الاجتماعي ويحتاج بلا أدنى شك لإجراءات عاجلة لمنع تفاقم الحالة .. والأهم من كل ذلك أنه يحمل إجابة نموذجية على التساؤل الأبدي : لماذا يكره المصريون الحكومة ؟ .
الميدان - محمد يوسف
وإذا كان من الإنصاف الاعتراف بأن الواقع ليس وردياً بأية حال من الأحوال خصوصاً في ظل التحديات الخطيرة التي تواجه أي مسئول حكومي بيده اتخاذ القرار الذي يترتب عليه تحديد مصير الملايين ، ومن بين هذه التحديات الظروف الاقليمية المضطربة والحرب ضد الإرهاب ، مما يحمل المواطنين أعباءً إضافية .
وإذا ما تم وضع هذه الأوضاع الصعبة في سياق ضغوط صندوق النقد الدولي لخفض الدعم والتي ترتب عليها تحريك أسعار الوقود بكافة أنواعه ورفع أسعار الكهرباء والمياه ليواجه المواطن مزيداً من الظروف الصعبة بعد عدة قرارات مصيرية تتعلق بقوت يومه ونمط معيشته ، وهو الأمر الذى يضع صانعي القرار في الحكومة في موقف لا يحسدوا عليه فهم بين نارين أولهما اتخاذ القرارات التي تعزز من موقفها الاقتصادي ، والذي ينعكس بشكل كبير ومباشر على حياة المواطنين بكل تفاصيلها ، خاصة أن رفع أسعار الوقود يؤدى تلقائيًا إلى رفع أسعار كل السلع، وهو ما حاولت الحكومة التخفيف من حدته بالتأكيد على أنها ستراقب الأسواق. .
وثانيهما محاولة التخفيف من وطأة هذه الإجراءات عبر توسيع شبكات الحماية الاجتماعية من صرف معاشات "تكافل وكرامة" وزيادة المقررات التموينية المدعومة . ويواجه المواطن مع كل ذلك جشع التجار وارتفاع أسعار الخدمات من جانب وتدنى مستوى الدخل وقلة فرص العمل من جانب آخر ، وفى الوقت التي تصدر فيه تصريحات من الحكومة بأن القادم سيكون أفضل يظل الوضع صعبًا نتيجة قرارات حكومة شريف إسماعيل ..
ورغم ذلك لا تعطي الحكومة أية مؤشرات حول زيادة الحد الأدنى للأجور للعاملين بالدولة مما يضاعف احساس الطبقات الكادحة بالمظلومية كما يسد قنوات التواصل ويهدم جسور الثقة بين المواطن والحكومة .
وعلى سبيل المثال ، لا الحصر ، يعاني أصحاب المعاشات من تدني المستحقات التي يحصلون عليها شهريا بعد طول خدمة في العمل وهذا طبعا بالتزامن مع تدهور حالتهم الصحية بفعل تقدم السن ..
وعندما أنصفهم القضاء بحكم تاريخي بأحقيتهم في الحصول على متجمد علاوات عن السنوات الماضية مما يترتب عليه زيادة تصل إلى 80% من قيمة معاشاتهم .. فوجئوا بالحكومة ترفض التنفيذ وتردد المقولة الثابتة : الميزانية لا تسمح .. في حين لا يجد رئيس مجلس النواب أي حرج في التحدث عن ضرورة زيادة الحد الأقصى لأجور السادة الوزراء والسادة أعضاء مجلس الشعب ..
وهنا يطرح المواطن السؤال التلقائي : "بأمارة إيه" .. فهل هم يستحقون مزيداً من تحسين أوضاعهم المالية وباقي أفراد الشعب "خسارة فيهم" ؟ كل هذا بالإضافة إلى الهم الأكبر المتمثل في مشوار التعليم بداية من ارتفاع مصروفات المدارس الخاصة ، وعدم سيطرة الحكومة عليها ، وتركهم نهباً لمافيا الدروس الخصوصية ..
بخلاف أزمة حشو المناهج وإلغاء التعليم التجريبي .. ناهيك عن التجارب المريرة التي يتكبدها المرضى للانتفاع بالتأمين الصحي .. فزيارة واحدة لإحدى المستشفيات العامة ومشاهدة الطوابير التي لا تنتهي وانتظار الدور ، رغم قسوة الآلام وتدخل المحسوبية المقيتة ، كل هذا وغيره يجعل العلاقة ما بين الحكومة والشعب ليست على ما يرام في أغلب الأحوال .
وبنظرة فاحصة لحالة المجتمع المصري سنلاحظ تآكل ما كان يعرف بالطبقة المتوسطة ، التي ينظر إليها على أنها رمانة الميزان أو عمود الخيمة في أي مجتمع لحفظ توازنه وضمان استقراره ، وترحيل من كانوا ينتمون لهذه الشريحة إلى الطبقة الأدنى بحيث أننا أصبحنا أمام طبقتين لا ثالث لهما : الأولى وهي الطبقة الغنية والتي يزيد غناها بفعل التراكم واستثمار الأزمات لتحقيق أعلى عائد مالي ، والطبقة المعدمة والتي أيضاً يزيد فقرها ومعاناتها مع قسوة إجراءات الإصلاح الاقتصادي وجشع التجار وزيادة الأسعار كل يوم بل ربما كل ساعة ..
وكأن قدر المصريين أن الغني يزيد غنى والفقير يموت كمداً .. مما يولد حالة تنافر لا تخطئها عين . وربما كان خير دليل عملي على هذا الوضع .. حالة "الشماتة" التي ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن ضربت الأمطار الشديدة مدينة التجمع الخامس المعروف أنها جنة الأثرياء في مصر التي لا يقربها الفقراء ..
وهذا يحمل في طياته مخاطر عديدة تتعلق بوحدة النسيج والتماسك الاجتماعي ويحتاج بلا أدنى شك لإجراءات عاجلة لمنع تفاقم الحالة .. والأهم من كل ذلك أنه يحمل إجابة نموذجية على التساؤل الأبدي : لماذا يكره المصريون الحكومة ؟ .
الميدان - محمد يوسف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق