بحث في هذه المدونة

الاثنين، 14 مايو 2018

متى يصبح العدل ظلماً؟

العدل القائم على المساواة يقابله الناس بالرضا. لو رأى الناس عدلاً فى توزيع أعباء برنامج الإصلاح الاقتصادى لتسلحوا بالمزيد من الصبر والتحمل، لكن العدل غائب. 

ضريبة الأرباح على البورصة لم تطبق، ضريبة الـ5% على من يزيد دخله السنوى على مليون جنيه (ضريبة الأغنياء) لم تطبق، رجال الأعمال الذين حصدوا مكاسب بالمليارات لم يدفعوا ثمناً فى موضوع الإصلاح الاقتصادى، الحد الأقصى للأجور أصبح فى خبر كان داخل العديد من المؤسسات، حيث يقبض كبارها مئات الآلاف من الجنيهات كل شهر، فى صورة مكافآت ونفحات وغير ذلك. مرتبات الوزراء والمحافظين زادت ويحصلون على أكبر معاش يحصل عليه موظف فى مصر. 

شرائح أخرى عديدة زادت مرتباتها، فى حين بقى المواطن محلك سر. مرتبات لا تزيد، بل تنكمش وتضمر بفعل التضخم، وسحب ممنهج من جيبه حتى وصل إلى مرحلة الصراخ بكلمة «مامعييش». أين العدل فى أن يتحمل المواطن العادى فاتورة الإصلاح الاقتصادى كاملة، فى وقت يُترك فيه الأغنياء يزدادون ثراءً؟

العدل المشفوع بالرحمة يقابله الناس بالرضا. قديماً قيل «الرحمة فوق العدل». منذ أن شرعت الحكومة فيما أطلقت عليه «برنامج الإصلاح الاقتصادى» والقرارات التى تصيب معيشة المواطن فى مقتل لا تتوقف. عوّمت الجنيه، وتحللت من الدعم شيئاً فشيئاً، وفرضت ضرائب ورفعت جمارك. والنتيجة أصبح المواطن فريسة لغلاء الأكل والشرب والسكن والماء والكهرباء والوقود والدواء، كل شىء ارتفع سعره. قالت الحكومة إن العدل يعنى تحرر الدولة من الدعم وأن يدفع المواطن السعر الحقيقى العالمى لكل سلعة أو خدمة يحصل عليها. حسناً.. أين الرحمة؟!

الرحمة تظهر فى تدخل الأجهزة الرقابية من أجل ضبط الأسعار بالأسواق، وعدم ترك المواطن فريسة للتاجر والمحتكر والمسئول الحكومى، ليمتص الجميع دمه (بالمناسبة هل تتذكر قرار كتابة السعر على كل سلعة؟!). الرحمة تظهر فى شبكة حماية اجتماعية حقيقية، وليس إلقاء 3 جنيهات لكل مواطن على بطاقة التموين، ليكون مجموعها بالنسبة للأسرة (كيلو سكر أو أرز). 

الرحمة تظهر فى رفع مرتبات الموظفين الذين لا يملكون مثل الحرفيين رفع أسعار ما يقدمونه من خدمات، بدلاً من الدخول فى «معايرات» فارغة تتحدث فيها الحكومة عن سعر خدمة مثل خدمة المترو فى الخارج، فيعايرها المواطن بما يحصل عليه من مرتب أو دخل مقارنة بدول أخرى.

العدل القائم على لوم الضحية لا يقابله الناس بالرضا. لا يليق أن تسحق المواطن تحت عجلة الغلاء ثم تسبّه وتشتمه عندما يصرخ. لا يليق أن تخرج له وزيراً أو أحد الإعلاميين المرتزقة أو أحد «أُجَرية» التواصل الاجتماعى ليتهمه بأن همه على بطنه وأنه -كمواطن غنى- يريد سرقة «الحكومة الغلبانة». 

لا يليق أن تتهمه بالإهمال فى العمل وأنه «عاوز فلوس وخلاص» فى وقت تعجز فيه عن تنشيط ماكينة الاقتصاد. العدل الذى تغيب عنه المساواة والرحمة واحترام الناس هو الظلم بعينه. على من يحرص على هذا البلد أن يفهم ذلك وينبه أولى الأمر إليه، وإلا أصبح آثماً فى حق وطنه وشعبه، لا تتركوا الشعب يصل إلى مرحلة غضب لن تبقى ولن تذر.

د. محمود خليل - الوطن


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق