بحث في هذه المدونة

الثلاثاء، 24 أبريل 2018

مصر: طالب الشعب وحصل غيره على المطالب

ما أن وافق البرلمان المصري على تعديل قانون يقوم على زيادة مرتبات ومعاشات الوزراء والمحافظين وأعضاء البرلمان والسلك الدبلوماسي، حتى دخلت مصر، وكما هي العادة، في دوائر متداخلة ومتشابكة من النقد والرفض، والتأييد والدعم.
 

وفي القلب مما سبق ظهرت وبالضرورة مساحة السخرية المصرية الخاصة، التي تمثلت في موجات متدفقة من السخرية الكاشفة عن تناقضات القرار مع خطاب النظام، وتناقضات التعامل مع القرار مقابل غيره، والتناقضات الواضحة في مواقف من تعامل معه من إعلاميين، تمثل دورهم سابقا في التأكيد على ضرورة ومحاسن شد الحزام للشعب، ثم تبرير أهمية وضرورة الزيادة، والحديث عنها بوصفها خطوة تأخرت كثيرا لإصلاح أوضاع مقلوبة وتحقيق عدالة أوضاع ظالمة.
 

جاءت الأجواء أيضا كاشفة عن خيارات السلطة ومؤسساتها، وسط تأجيل تنفيذ حكم قضائي لصالح أصحاب المعاشات، يتعلق بالعلاوات الخاصة بهم، بعد طعن الحكومة قبل أيام من إقرار الزيادات للمسؤولين الكبار، من دون تدخل البرلمان، بالإضافة إلى الرسوم التي تفرض على أصحاب عربات المأكولات، والتي تصل وفقا للتعديل الذي وافق عليه البرلمان إلى 20 ألف جنيه، مع فتح الباب للواسطة والفساد، والقانون يؤكد على ترك التقدير للجهة المحلية المختصة. 

وبهذا وفي الوقت الذي يتم فيه الإقرار بزيادات من ميزانية الدولة تصل إلى آلاف الجنيهات من أجل المسؤولين الكبار (من 2200 جنيه إلى 42 ألف جنيه للمرتب و33 ألف جنيه للمعاش)، يتم إقرار استقطاع الآلاف من أصحاب عربات المأكولات سنويا، وحرمان أصحاب المعاشات من جنيهات قليلة.
 

وبهذا يصب ما يحدث في تحسين أوضاع الحكام أو السلطة والتجاوز عن معاناة المحكوم أو الشعب، عكس ما يفترض استهدافه، أو كما تقول التعليقات الساخرة، عندما اشتكى الشعب تم رفع مرتبات الوزراء. ويضاف لهذا الحديث عن زيادة مخصصات البرلمان، والتخطيط لزيادات مقبلة في الأسعار، في ظل خفض الدعم الذي قد يصل في الكهرباء إلى نصف العام السابق، وارتباط أسعار الكهرباء بالكثير من السلع والخدمات، التي سيزيد سعرها بالضرورة، حتي إن لم يتم الحديث عنها بشكل مباشر.
 

كان من الطبيعي أن تأتي السخرية معبرة وهي تؤكد أن «ياميش رمضان» في مقدرة الوزراء والمسؤولين فقط، وان يتوقع البعض أن رمضان هذا العام سوف يتجاوز عن»الفول» في ظل الزيادات المتوقعة في الأسعار، بعد الرسوم الجديدة علي سيارات الفول وغيرها. 

أما تداول خبر عن إعداد الحكومة لمفأجاة من أجل الشعب مع مقدم رمضان، فقد طرحت الكثير من التعليقات المعبرة عن الخوف والقلق. 

أما العنوان الأكبر الذي اجتمع حوله جزء كبير، فهو حملة «أكفل وزير» التي عبرت عن دهشة الشعب من اكتشاف حجم المعاناة التي يعيشها الوزراء والمسؤولون، كما قيل فجأة وبشكل متكرر على القنوات والصحف المختلفة. 

لهذا كان من الطبيعي أن يتبرع البعض بالعمل في منصب الوزراء حتى إن كان الأمر مؤقتا وبأسعار مخفضة من قبيل التضحية ومن أجل خاطر مصر، ومن أجل الحصول على المعاش. في حين طالب البعض بإلغاء مجلس النواب وتوفير نفقاته لصالح الشعب.
 

كان من الطبيعي أن تكون السخرية حادة، وأنت تحاول أن تقنع الموظف الذي قد يحصل على ألف جنيه شهريا أو أكثر قليلا، أو صاحب المعاش الذي لا يتجاوز معاشه أحيانا 700 جنيه، بأن ما تم من إقرار رفع مرتبات ومعاشات لمسؤولين مجرد استجابة لقانون الخدمة العامة والعدالة الاجتماعية، والتذرع بالقانون للقول إن المبالغ التي أقرت لم تتجاوز الحد الأعلى، في حين أن عموم الموظفين في قاع الحد الأدنى وهنا تبدو القضية الأساسية وجوهر النقاش، المتمثل في اكتشاف حجم الفجوة والعدالة الغائبة وليست حقيقة وجود حالة من اللاعدالة في الواقع.
 

وضعية تظل حاضرة حتى إن تم إخراج مختلف للحدث، في ظل المطالبات المتزايدة بتدخل الرئيس تجنبا لتصاعد الغضب، باعتبار أن الدستور يسمح له بإعادة القانون للبرلمان خلال 30 يوما. 


والسبب أن تلك الأساليب التي اتبعت في عهد مبارك لم يعد من الممكن استخدامها، خاصة في ظل آليات إعلامية لا تجعل مساحة التراجع سهلة ومن دون خسارة، وفي ظل ما كشفت عنه التصريحات المختلفة، من أن تلك الفئات تحصل بالفعل على الأموال المحددة بشكل أو بآخر، وكأن القرار مجرد تحصيل حاصل. في النهاية هناك ثمن يتم دفعه من المصداقية وقيمة الكلمة والشخص والمؤسسة، خاصة مع تزايد حالات الدفاع بحدة عن الموقف ونقيضه.
 

كانت الفجوة وخطاب شد الحزام والتضحية والمعاناة من أجل مصر حاضرة في مشهد حديث الظلم، حين خرج من أكد أن المعاناة ضرورة لخروج أهل الشر، من دون أن يوضح لماذا لا توزع المعاناة ويتم تحريكها من شهر إلى شهر، أو من عام إلى عام من المسؤول للشعب، ولماذا كتب على الشعب وحده التحمل وشد الحزام؟ ولماذا يتحمل المواطن المطحون أعباء البناء والمشاريع القومية ومحاربة أهل الشر، وفقا لمقولات «مش قادر أديك» وأننا «فقرا قوي» في حين يتم التخلص من الحزام ومن كل تلك المقولات مع غيره؟
 

يخرج «البوعزيزي» فجاءة من قلب الجدل حول تصاريح عربة المأكولات، مذكرا الجميع أن القصة بدأت ببائع وعربة وصفعه مادية، حركت صفعات معنوية متراكمة هنا وهناك، وأن ما يحدث هو تراكم داخل قدر المحروسة، الذي تزداد فيه المعاناة كل يوم، من دون أن تمس الفئات التي تقف في قمة السلطة، التي تستخدم الخطاب وعكسه لتبرير المواقف المتناقضة.
 

هي السلطة التي تفرش سجادا أحمر، والتي تتحدث عن أننا «فقرا قوي»، وهي السلطة التي تدين حالة «الطابونة» ثم تنفذها على أرض الواقع وعلى كافة المستويات، وهي السلطة التي تتحدث عن محاربة الفساد وتفتح له ألف باب، هي السلطة التي تتحدث عن التقشف، ويسافر المسؤولون فيها للعلاج في الخارج، ويسافر البعض بطائرات خاصة ولا يحاسب أحد عن التكلفة التي تتحملها ميزاينة الدولة من جيب المواطن.
 

يخرج من يقول أن أصحاب المعاشات لا يعملون ولا يحق لهم المطالبة بزيادات وعلاوات، متجاوزا عن أن ما تم إقراره للمسؤولين الكبار، ودافع هو عنه شخصيا، يتعلق بحالة المعاشات أيضا، التي يمكن الحصول عليها حتى إن كانت مدة الخدمة قصيرة للغاية، مقابل عقود يدفعها المواطن من عمره وصحته في العمل، ثم يواجه في النهاية بأسعار ومعاناة لا يجد من يعينه في مواجهتها. 

مع حقيقة أن البرامج التلفزيونية لن تستضيف المواطن العادي ولن يحصل على بدلات حضور لجان أو عضوية أخرى، أو المشاركة في مؤتمرات أو غيرها من صور الحضور المادي والمعنوي التي يحصل عليها غيره من كبار المسؤولين في الدولة.
 

يسارع البعض إلى تداول أخبار من عالم مختلف يقوم فيه المسؤول بالتبرع براتبه أو جزء منه هو والحكومة حين تمر الدولة بأزمة اقتصادية، أو تواجه أوضاعا صعبة، ولكن تلك الأفكار لا تصلح لدينا، وإن تم الحديث عنها ستواجه دوما بفكرة «الصورة» دون الجوهر، ولنا في السجادة الحمراء وكيفية التعامل معها سابقة واضحة عن كيف يرى المسؤول ومن حوله المظاهر بوصفها بديلا عن الحكم الرشيد، وبديلا عن المواطن السعيد، والوطن المتقدم. ولهذا من الطبيعي أن يتجه الاهتمام دوما إلى المباني الكبرى حتى يتم قص الشريط والتقاط الصور وتسجيل مكانة ما متصورة في التاريخ، الذي لا يتعلم أحد من دروسه القريبة أو البعيدة.
 

في قلب كل هذا الجدل تعود إلى الواجهة فترة ما بعد 30 يونيو، وكيف تم اقتراح رفع مرتبات ومعاشات الوزراء في تلك الفترة، حتى تكون عامل جذب للموافقة على تولي الوزارة، كما يحدث الآن، ويثير البعض تساؤلات أخلاقية عن المعنى الذي حملته تلك الزيادات، وعن طريقة إقرارها من قبل من يستفيد منها، وكلها تصب في تساؤلات أعمق عن حقيقة من يمثل الشعب ويدافع عن مصالحه، وكيف تمرر السياسات الصعبة والقرارات التي يفترض ألا تمر.
 

بشكل مباشر يعيد الجدل إلى الواجهة حديث دكتورة إجلال رأفت - المتخصصة في الشؤون الإفريقية – وبصورة فيها الكثير من النقد عن كيف يذهب المسؤولون من الدول النامية إلى الغرب المتقدم في أحدث السيارات وأفضل الملابس، من أجل الحصول على معونات وقروض! 

مظاهر أخرى تعبر عن غياب الرشادة والمحاسبة، وعن أسباب ضياع المال وعدم وصوله إلى المحتاج في تلك الدول، التي ترى أن شكل المسؤول والسجادة المفروشة على الطريق وارتفاع المبنى أهم من تخفيف معاناة ملايين البشر في الوطن. تتجاوز تلك الأنظمة كيف سقطت نظم بفعل صفعة، وكيف تكون قوة المظلوم عندما يتراكم شعوره بالظلم ويتحول الوطن إلى سجن كبير وكائن مخيف لا يرحم الضعفاء ولا المحتاجين.


عبير ياسين - القدس العربي

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق