بحث في هذه المدونة

الأربعاء، 6 سبتمبر 2017

الوطن: أوجاع أصحاب المعاشات: «قضينا العيد بالسلف والدين»

زحام أمام أحد مكاتب البريد بمنطقة بولاق الدكرور، يتراص عدد من المواطنين على الأرصفة أمام المكتب، اتخذوها مكاناً لأخذ قسط من الراحة، بعد المعاناة التى عاشوها فى الطوابير أمام المكتب منذ الساعة السابعة صباحاً، ليحصلوا على معاشهم، الذى تأجل إلى حين انتهاء إجازة عيد الأضحى، مما تسبب فى كثرة ديون بعضهم، بعد أن لجأوا إليها لقضاء احتياجات العيد، ومنهم من قام بشراء اللحم لأول مرة بالشكك، وآخرون قضوا عيدهم بما جاء لهم من «باب الله»، على حد قولهم. 

«أنا جبت لحمة العيد شكك، ومعاشى اللى هاصرفه الشهر ده، هاسدد بيه الديون»، جملة كانت أول ما بدأ به الستينى ريف الله عبدالمنعم، من سكان زينين، وهو جالس على الرصيف أمام مكتب بريد بولاق، حديثه عن تلك المعاناة التى شهدها خلال أيام العيد، بسبب تأخر صرف المعاشات هذا الشهر، قائلاً: «باصرف المعاش يوم واحد فى الشهر، لكن عشان أجازة العيد أخروا صرفه، ما صدقت أنهم فتحوا المكتب النهارده، وجيت عشان أصرفه»، وعن عدم صرفه من الماكينات الآلية، قال: «معايا الفيزا بس مش باعرف أتعامل معاها، فباستسهل آجى أصرف من مكتب البريد»، وتابع بقوله: «مفروض إنى باصرف من مكتب بريد زينين، بس هو لسه قافل، فجيت هنا عشان محتاج فلوس المعاش، وواقف فى الطابور من الساعة 5 الصبح بعد صلاة الفجر، لكن الموظفين جايين متأخر عن ميعادهم ساعة، كانت الدنيا بقت زحمة على الآخر»، مشيراً إلى أن معاشه الشهرى قدره 360 جنيهاً، وأنه لا يتناسب مع احتياجاته واحتياجات أولاده البالغين 5 أفراد: «المعاش ده مابيكفيش حاجة، وباضطر أنزل أشوف أى شغلانة أشتغلها، عشان أقدر أمشّى البيت وعيالى»، ينهى كلامه بنبرة صوت يملأها الحزن، قائلاً: «الحمد لله على كل حال، ربنا يرزقنى عشان أقدر أسدد الديون اللى عليا».

بعباءة ووجه يملأه الشيب من الكبر، يجلس إبراهيم بركات على الرصيف، وهو متكئ على عكازه، يقول إنه جاء من منطقة زينين: «الفيزا اللى معايا ماتنفعش غير فى البوستة، ماقدرش أصرف بيها من البنك، فلازم آجى أصرف المعاش من مكتب البريد»، يؤكد «بركات» أن معاشه يبلغ 413 جنيهاً شهرياً، وأنه لا يتماشى مع مصاريف أسرته المكونة من 7 أفراد، قائلاً: «كان فيه مصدر رزق تانى كان بيساعدنى على المصاريف، لكن بعد ما جاتلى جلطة فى المخ وعملت لى شلل نصفى طولى، مابقتش أقدر أشتغل، وباعتمد بس على المعاش»، يعود بركات للحديث عن عيد الأضحى، فيقول إن شقيقه الأصغر منه فى السن الذى يسكن معه بالبيت، ويعمل موظفاً، هو من صرف على البيت أثناء عيد الأضحى: «أخويا هو اللى كان بيصرف على البيت، ودى حاجة صعبة جداً بالنسبة لى، وخصوصاً إنه أخويا الصغير، بس أهو أحسن من الغريب، على الأقل هيصبر عليا فى رد السلف أكتر من غيره»، منهياً حديثه بقوله: «هاروح لمين أقوله سلفنى، مفيش فى إيدى حاجة أعملها».

وفى جانب آخر من الرصيف، تجلس رضا معوض، 55 سنة، وإحدى سكان منطقة بولاق الدكرور، منتظرة ابنتها المطلقة، حيث تصرف معاشاً شهرياً قدره 360 جنيهاً، لتصرف على طفلها البالغ من العمر 9 سنوات، فتقول: «بنتى اتطلقت ومعاها ابنها، وجوزها مابيصرفش عليه، وعايشة معايا فى البيت أنا وأبوها وإخواتها الستة، وإحنا اللى متكفلين بمصاريفها»، وأضافت أن هذا المبلغ لا يتماشى مع مصاريف ولدها، وخاصة المدرسة والدروس، وتابعت بقولها: «جوزى بيشتغل عامل نظافة، ومرتبه على قده، بس هنعمل إيه لازم نساعدها، عشان تقدر تصرف على ابنها، وأنا خلاص اعتبرته عيل من عيالى، ومارضاش إنها تنزل تشتغل عشان تصرف عليه»، وانتهت بقولها: «بنتى ماجابتش هدوم العيد لابنها زى العيال، هتعمل إيه مفيش فى إيديها حاجة تعملها، وجوزها منه لله مابيديهوش جنيه».

ومن جانبها تؤكد «أم محمد»، فى أواخر الأربعينات، من سكان منطقة كوبرى الخشب، أنها ذهبت إلى أحد مكاتب البريد قبل أيام عيد الأضحى بيومين، فتقول: «سمعت إن المعاشات هتتصرف قبل العيد، ورحت سألت يوم 28 فى الشهر، بس الموظفين فى مكتب البريد قالوا لى إن المعاش هيتصرف فى ميعاده، وجيت النهارده من الساعة 9 الصبح عشان الزحمة»، ولفتت «أم محمد» إلى أن لديها «الفيزا» وتصرف من ماكينات الصرف الآلى، ولكنها اضطرت هذا الشهر إلى الصرف من البريد، حيث ميعاد تنشيطها: «مفروض إن كل 5 شهور الفيزا تتنشط، بإنى أروح الشهر الخامس وأصرف المعاش من مكتب البريد، وبعد كده أرجع أصرف بالفيزا تانى»، وأضافت أنها تحصل على معاش شهرى بقيمة 2200 جنيه، وأن تأجيل صرفها لبعد العيد أثر سلباً عليها، قائلة: «الفلوس دى هى مصدر رزقى الوحيد، بادفع منهم 550 جنيه لإيجار الشقة، غير فواتير المياه والكهرباء، ومصاريف البيت»، واختتمت حديثها بقولها: «أنا مش عارفة العيد عدى عليا إزاى، ربنا كريم، مابيسيبش حد».

فيما قالت هنومة محمد، 43 سنة، من سكان بولاق الدكرور، إنها تصرف معاشاً قدره 360 جنيهاً: «ربنا رزقنى بولاد الحلال اللى ساعدونى فى العيد، مش عارفة كنت هعدى العيد إزاى من غيرهم»، وتابعت أن معاشها هو مصدر الرزق الوحيد لديها، وتصرف منه على جهاز ابنتها الوحيدة، بعد وفاة والدها، الذى كان يعمل فراناً، ولم يترك لهم مالاً يصرفون منه، واختتمت بنبرة يملأها الأسى: «إحنا عايشين على الحاجة اللى بتجيلنا من باب الله، ربنا بيرزقنا بيهم عشان يساعدونا على العيشة».





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق