بحث في هذه المدونة

الخميس، 25 أكتوبر 2018

خدمات كبار السن والمعوقين .. غائبة!

دائرة معاناة مستمرة لا ينجو منها أى مواطن، تبدأ بساعات طويلة فى طوابير المصالح الحكومية لإنهاء بضع أوراق، وما إن تنتهى حتى تبدأ معاناة استقلال إحدى وسائل النقل فى ساعات الذروة، عملية مرهقة اعتاد عليها الجميع، إلا أن الأمر يزداد سوءًا إذا كان ضحية تلك العملية هو أحد كبار السن أو ذوى الإعاقة ممن لم يجدوا من يعينهم على إنهاء مصالحهم اليومية. 



فما بين هيئة البريد والمعاشات وأروقة المستشفيات ومحطات المترو والقطار وحتى اتوبيسات النقل العام، عانت تلك الفئة من الظلم الشديد، فبالرغم من توفير بعض المميزات لهم، فإن ما نستطيع قوله أنها مع إيقاف التنفيذ، ليشهدوا رحلة عذاب مطولة حاولت «الأخبار» فى السطور القادمة معايشتها معهم..


تضم مصر نسبة كبيرة من المسنين ومتحدى الإعاقة، فتقع ضمن العشر دول الأوائل على مستوى العالم من حيث نسبة المسنين بها بعد أن وصلت نسبتهم إلى 6.9 ٪ عام 2017 بواقع 6.4 مليون مسن من إجمالى السكان، وفقاً لأحدث تقارير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، بينما بلغت نسبة ذوى الإعاقة 10.7  ٪، بواقع 10 ملايين مواطن يتمركز أغلبهم بمحافظتى المنيا والقاهرة، وبالرغم من تلك الأعداد فإنه تم حرمانهم من أبسط الخدمات التى من الممكن تقديمها لهم فى الجهات التى يتعاملون معها بصفة دورية. 



نقل غير آدمى

بدأت جولتنا بعدد من وسائل النقل المستخدمة بشكل يومى لتلك الفئات وعلى رأسها أتوبيسات هيئة النقل العام والمترو، باعتبارها الوسيلة الأرخص للذهاب يوميا للعمل، فعلى عكس المشاع فهناك نسبة كبيرة من كبار السن لاتزال تمارس عملها، فوفقاً لأحدث تقرير للإحصاء بلغ عدد المسنيـن المشتغـلين 1.3 ملـيـون أغلبهم يعملون فى نشـاط الزراعة والصيـد، وتجارة الجملة والتجزئة، والنقل والتخزين.


وعلى الرغم من تخصيص عدد من المقاعد بالمترو وهيئة النقل العام للفئتين مع وجود خصم فى سعر التذكرة، فإنها بلا فائدة فى الوقت الذى لا يستطيع غالبيتهم الاستفادة منها من الأساس، ففى حالة أتوبيس النقل العام، لا يوجد بالقاهرة والجيزة بأكملها أتوبيس واحد مناسب ومهيأ لإقلال ذوى الإعاقة خاصة أصحاب الإعاقات الحركية والأقزام، مما يضعهم أمام حلين: إما الاستغناء عن الوسيلة، أو الرضا بالإهانة والسماح للركاب بحملهم لاستقلال الأتوبيس، ويصبح الأمر أكثر حرجاً فى حالة الأقزام بمنتصف العمر، فعملية رفعهم وسط نظرات المارة والركاب عادة ما تؤلمهم، إلا أنه شر لا بد منه -على حد قولهم- خاصة مع عدم سماح الدولة لهم بامتلاك سيارة مخصصة.


أما بالمترو فالوضع لا يختلف كثيراً ففى الوقت الذى بادرت هيئة المترو بتركيب مصعد «اسانسير» داخل كل محطة ليستخدمه ذوو الإعاقة وكبار السن، تناست كيفية وصولهم للمصعد من الأساس، فبدءًا من الرصيف الخارجى للمحطة لا تجد سوى دَرَج طويل إما صعودا أو هبوطا للوصول للرصيف الداخلى الذى يوجد به المصعد، ولا يجد ذوو الإعاقة وكبار السن خاصة أصحاب الكراسى المتحركة فى هذه الحالة إلا حلين أيضا: إما الاستغناء عن استقلال المترو نظراً لصعوبة قطع كل تلك المسافة بمفردهم، أو الاستعانة بعدد من الشباب لحملهم بالكرسى للوصول للمحطة، وهو مشهد اعتدنا رؤيته كثيراً، ولا ينتهى الأمر عند تلك النقطة بل لجأت هيئة المترو إلى رفع الدعم عن تذاكر كبار السن منذ عدة أسابيع بالرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة لأغلبهم.


وبمحطة قطارات مصر والتى تعد الوسيلة الأرخص للتنقل بين المحافظات فإن الوضع كارثي، فتحوى المحطة عددا من الأرصفة، كلٌ مخصص لوجهة محددة، وإذا كانت وجهتك للصعيد فلا يكون أمامك سوى المرور من الأنفاق السفلية للوصول للقطار، وبالطبع لم تراع هيئة السكة الحديد وجود أصحاب إعاقات حركية أو كبار سن فى هذا الأمر، فالهبوط من الرصيف الرئيسى واجتياز النفق والصعود مرة أخرى للرصيف المحدد أمر إجبارى لا مفر منه مهما حدث. 




شباك مخصص


منذ عدة سنوات بدأت الدولة فى تعميم تخصيص شباك لكبار السن وذوى الإعاقة بعدد من الهيئات وعلى رأسها المترو، فخُصص شباك للسيدات وذوى الإعاقة داخل كل محطة، إلا أن هذا القرار لم يُنفذ داخل عدد كبير من الهيئات التى تتردد عليها تلك الفئة بشكل كبير مثل مكاتب التموين، والبريد والتأمينات الاجتماعية، وخلال جولتنا توجهنا إلى كل من مكتب بريد وتأمينات الألفي، حيث يكثر بهما كبار السن ممن يستفيدون من المعاشات.


وفى كل من المكتبين لم نجد أى مظهر من مظاهر الاهتمام بتلك الفئة؛ فلا خصصت مقاعد لهم، ولا خصصت شبابيك لتسهيل التعامل مع ذوى الإعاقات المختلفة، بل كان عليهم الوقوف فى الطابور أو الانتظار مع بقية المترددين حتى يحين دورهم.


وخلال جولتنا قابلنا عددا من كبار السن وذوى الإعاقة فى مختلف محطات الجولة، ومن أمام مكتب الألفى للتأمينات تحدث عبدالغفار أحمد، 79 عاماً قائلاً «كل الهيئات الحكومية بمختلف أنواعها بتعاملنا زينا زى الشباب، يعنى أنا عشان أخلص ورقة واحدة، لازم اقعد ساعة ساعتين مستنى دورى واللى قبلى كلهم شباب وبصحتهم، لا فيه شباك مخصوص لينا يرحمنا من القعدة دي، ولا فيه معاملة تحسسنا برد الجميل بعد ما ضيعنا كل صحتنا نخدم البلد وأهالى البلد».


أما مديحة عبده، 77 عاماً فتقول «أنا كل شهر ابنى بيبعتلى حوالة ولإنى عايشة لوحدى فبنزل من بدرى عشان ألحق البريد قبل ما يتزحم، لكن مفيش فايدة برضوا بستنى كتير والناس بقى خُلقها ضيق ومحدش بيسيب دوره لحد، حتى فى البنك لما بروح بستنى أكتر من ساعتين كاملين لا فيه تقدير لينا ولا شباك مخصوص يخدمنا». 




اكتئاب ومهانة


«معاملة المجتمع لينا خلاص جابتلنا اكتئاب، مصممين يحسسونا بإعاقتنا فى كل خطوة فى الحياة».. بهذه الكلمات بدأت «ف،ص»، واحدة من الأقزام العاملين بالتربية والتعليم، حديثها موضحة أن التوجه لأحد المصالح الحكومية هى رحلة عناء، وابسط مثال نجده فى البنوك ومكاتب البريد والتموين، فكافة الشبابيك بها مرتفعة لا تراعى وجود أى قزم، وللأسف يضطرون فى هذه الحالة إلى التماس الرجاء من الموظف للاتجاه للداخل للحديث معه من خلف الشباك، أو الاستعانة بأحد المقاعد للوقوف عليه فى مظهر مسىء للغاية ومحرج لأى مواطن.


وتضيف «ف،ص» أنه فى المواصلات العامة يتم التعامل معهم كأجسام غريبة تتجول وسط المارة، فما ان يتم إيقاف اتوبيس حتى تجد الكمسرى أو أحد الركاب يهمون لرفع القزم وكأنه حقيبة صغيرة، وتشير إلى أن الحل الوحيد لهذا الأمر هو امتلاك سيارات مخصصة لهم، لكن الدولة لا تسمح بذلك بالرغم من أنهم لن يحملوها أى تكاليف، بل سيشترون سيارة بمالهم الخاص ويعدلونها وفقا لأوضاعهم الخاصة. 




مكتب لخدمة المعاقين


ومن جانبه يوضح محمد أبو طالب، موظف كفيف، أن كافة أزمات ذوى الإعاقة من الممكن أن تحل إذا تم تخصيص مكتب لخدمات ذوى الإعاقة يضم موظفين مدربين للتعامل مع المكفوفين والصم والبكم والأقزام والمعوقين لتسهيل إجراءات الحياة.


ويقول أبو طالب ان الكفيف على وجه التحديد يعد بالنسبة للدولة فاقدا للأهلية القانونية فلا يتم إجراء أية معاملات ورقية إلا بوجود وصي، متسائلاً ماذا لو لم يوجد وصي، هل يُحرم الكفيف من انهاء مصالحه أم على الدولة استحداث طرق للتعامل معه؟


ويؤكد أبو طالب أنه كناشط فى مجال حقوق المكفوفين سبق أن عرض على المتحدث الرسمى السابق لرئاسة الوزراء ملفا كاملا لتمكين ذوى الإعاقة بمصر عام 2014، إلا أن الوضع كما هو، بالرغم من تخصيص عام 2018 كعام لذوى الإعاقة.


ويشير إلى أن التعامل مع محطات القطار أو المترو يعد تجربة سيئة فالأرصفة غير مهيأة، وعادة ما تكون الخدمات الصوتية معطلة، موضحاً أن الحال أسوأ ما يكون داخل المستشفيات وهى تجربة شخصية له قائلاً «من كام سنة دُخت عشان بس أعمل عملية اللوز وللأسف مكانش متاح معايا مرافق دائم، مفيش مساعدات ولا حتى تسهيلات».


اخبار اليوم

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق