بحث في هذه المدونة

الثلاثاء، 24 أبريل 2018

حتى لا نكرس مفهوم "أبناء البطة السوداء"!!

غريب أمر برلمان "الدكتور علي عبدالعال"؛ لأنه برلمان فئة خاصة، أو قل هو برلمان "الحكومة" ففي الوقت الذي غض هذا البرلمان بصره، وارتدى نظارة سوداء، حيال رفض الحكومة تنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري بإضافة نسبة الـ80% من قيمة العلاوات الخمس إلى الأجر المتغير لأصحاب المعاشات - وهو حق مكتسب لهم - نراه يوافق وهو مغمض العينين على مشروع قانون بزيادة مرتبات ومعاشات الوزراء؟!

ما حدث من وجهة نظري هو تكريس لفكرة "أبناء البطة السوداء" وتعميمها على سواد الشعب المصري، وإحداث نوع من التفرقة والفتنة بين المصريين؛ حيث يحظى البعض بكل شيء، ويُحرم البقية من كل شيء، فلم تكتف الحكومة برفض تنفيذ حكم القضاء الإداري بضم العلاوات إلى أصحاب المعاشات، بل طعنت عليه أمام محكمة غير مختصة، والأكثر من ذلك زادت مرتبات أعضاء الحكومة، ورئيس مجلس النواب ووكيليه، ومنحتهم معاشًا من أموال أصحاب المعاشات.

وتجاهل مجلس النواب معاناة أصحاب المعاشات، وتهافته واستجابته السريعة لرغبة الحكومة في زيادة رواتب أعضائها، يمثل قمة الاستفزاز والاستهانة بعقول وعواطف المصريين، وظلم وأضح لأكثر من 9 ملايين من أصحاب المعاشات، يشارك الدكتور علي عبدالعال ومجلسه الحكومة في توجيه رصاصة الرحمة إلى صدورهم.

للأسف ما فعلته الحكومة بإرسال مشروع قانون تعديل رواتب الوزراء إلى مجلس النواب في هذا الوقت ليس فيه أي حصافة سياسية أو مواءمة مجتمعية، وإن دل على شيء فإنما يدل على أن هذه الحكومة لا تفكر أبدًا في معاناة المصريين، وأنها حكومة من "كوكب تاني"، وكان الأجدر بها إعطاء الأولوية لزيادة الحد الأدني للأجور، ومناقشة قوانين أخرى بشأن معاشات المواطنين، وبدلا من أن تحاول إسعاف «المريض الموجود في العناية المركزة»، وهو الشعب المصري، راحت تكافئ نفسها، وأغفلت أن المصريين يمرون بظروف صعبة، وأن القيمة الشرائية لرواتبهم انخفضت إلى أقل من 50%.

أمور تدعو للعجب والتعجب حقًا من تلك الحكومة ومن هذا المجلس، ففي الوقت الذى يرفضون فيه زيادة مائة أو مائتي جنيه لأصحاب المعاشات - وهو حقهم - تنص المادة الرابعة مكرر في القانون الصدمة: "تستحق الفئات المشار إليها في المواد الثانية والثالثة والرابعة، من هذا القانون معاشًا شهريًا يعادل ٨٠٪ من راتب أو مكافأة كل منهم في تاريخ انتهاء شغل المنصب، وفي حال وفاة صاحب المعاش يكون للمستحقين عنه الحق في تقاضي معاشه؛ وذلك وفقًا للأنصبة الواردة في القوانين التي تنظم التأمينات الاجتماعية والمعاشات، ليس هذا فقط، بل تضيف: ويتم الجمع بين المعاش المقرر - وفقا لأحكام هذا القانون - وأي معاش مقرر بموجب قانون آخر".

في الوقت الذي يعاني فيه الشعب معاناة شديدة بسبب سياسة الإصلاح الاقتصادي، الذي لا مفر منه، والذي ندرك أهميته، يوافق مجلس النواب على مشروع القانون المقدم من الحكومة، والتي جعلت الراتب الأساسي الشهري لكل من رئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس الوزراء مساويًا للحد الأقصى للأجور، أي 42 ألف جنيه، قابلين للزيادة، بينما يتقاضى نوابه والوزراء من أعضاء الحكومة ووكيلي مجلس النواب والمحافظين راتبًا شهريًا أساسيًا قدره 35 ألف جنيه شهريًا، قابلة للزيادة، ويتقاضى نواب الوزراء والمحافظين 30 ألف جنيه قابلة للزيادة، بخلاف البدلات ويتقاضون معاشًا يساوي 80% من إجمالي رواتبهم، عند انتهاء شغلهم المنصب، فالوزير يتقاضى حوالي 33 ألف جنيه معاشًا؛ حتى لو قضى في الوزارة شهرًا واحدًا.

والأزمة ليست في الأرقام التي تعلنها الحكومة؛ ولكن في البدلات والمكافآت التي لا يتم إدراجها في الكشوف الحكومية، وإنما يحصل عليها المسئولون من الصناديق الخاصة الموجودة في معظم الوزارات، فرواتب بعض الوزراء في مصر فعليًا تصل إلى 3 ملايين جنيه، موزعة ما بين المرتب والمكافآت الخاصة وبدلات السفر والإقامة، بالإضافة إلى أطقم الحراسة والسماعات اللا سلكية والمواكب التي تحيط بالوزراء والتي تصل إلى 4 سيارات تتحمل الدولة تكلفة تسييرها، وقوة الحراسة المخصصة لكل وزير والسيارات التي تخصص لأسرهم لحمايتهم.

وكان على البرلمان والحكومة، مراعاة مشاعر المواطنين وظروفهم الاقتصادية؛ خاصة أننا مقبلون على بداية عام مالي تزيد معه الأسعار، بعد خفض الدعم عن بعض السلع الإستراتيجية والعمل على عدم استفزاز المواطن بتلك القرارات غير المدروسة، وأنه الأولى الاهتمام بتدبير الموارد اللازمة لرفع رواتب ومعاشات المواطنين؛ بدلا من التركيز على زيادة شريحة لا تحتاج لزيادة بأي شكل من الأشكال.
 
ومن هنا أطالب الرئيس عبدالفتاح السيسي من خلال صلاحياته الدستورية والقانونية - التي تنص عليها المادة 123 من الدستور - برفض القانون، وإعادته للبرلمان مرة أخرى، لخفض الرواتب والأجور، خاصة في ظل دعوات الرئيس والحكومة للمواطنين بتحمل القرارات الصعبة التي تصدر بين الحين والآخر، والتي ينتج عنها زيادة في أسعار السلع والمحروقات، خاصة أن هذا القانون ليس من أولويات المرحلة، وإنما كان من الأولى النظر إلى ظروف وأحوال الشعب وليس من يحكمونه.
 
د. إسماعيل إبراهيم   - الاهرام



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق